وبذلك يظهر مفاد كثير من الآيات التي تنسب الضلالة إلى الله سبحانه ، فالمراد هو قبض الفيض لأجل تقصير العبد لعدم استفادته من الهداية الأُولى ، فيصدق عليه انّه أضلّه الله سبحانه. قال سبحانه : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) (١) أي يضلّه لأنّه مسرف كذّاب (لم يهتد بالهداية الأُولى فأسرف وكذّب) فاستحق قبض الفيض وعدم شمول الهداية الخاصة له.
وفي آية أُخرى (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ) (٢) فقوله : (يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ) في هذه الآية هو نفس قوله : (لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) في الآية السابقة فكلاهما يرميان إلى معنى واحد وهو عدم الهداية لقبض الفيض لعدم قابليته للهداية الثانوية لأجل إسرافه وكذبه وارتيابه.
إلى هنا تمّ الاستدلال بالآيات وهناك آيات أُخر تدلّ على براءة المكلّف عند الشك في الحكم الشرعي تركنا البحث فيها روماً للاختصار.
الاستدلال بالسنّة
١. حديث الرفع
روى الصدوق في «التوحيد» و «الخصال» عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز بن عبد الله ، عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : «رفع عن أُمّتي تسعة أشياء : الخطأ ، والنسيان ، وما أكرهوا عليه ، وما لا يعلمون وما لا يطيقون ، وما اضطروا إليه ، والحسد ، والطيرة ، والتفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطقوا بشفة». (٣)
__________________
(١) (غافر : ٢٨.)
(٢) (غافر : ٣٤.)
(٣) الوسائل : ١١ ، الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس ، الحديث ١.