تتجدّد مصالح الناس ، فلو اقتصرنا على الأحكام المبنية على مصالح نص الشرع على اعتبارها لتعطل كثير من مصالح الناس ، وجمد التشريع ووقف عن مسايرة الزمن ، وفي ذلك إضرار بهم كبير لا يتّفق مع قصد التشريع من تحقيق المصالح ودفع المفاسد ، وحينئذٍ لا بدّ من إصدار أحكام جديدة تتلاءم مع مقاصد الشريعة العامة وأهدافها الكلية ، حتّى يتحقّق خلود الشريعة وصلاحيتها الدائمة. (١)
أقول : حاصل هذا الوجه ادّعاء وجود النقص في التشريع الإسلامي لو اقتصر في مقام الاستنباط على الكتاب والسنّة ، لأنّ حاجات المجتمع إلى قوانين وتشريعات جديدة لا زالت تتزايد كلّ يوم ، فإذا لم يكن هناك تشريعات وأحكام جديدة تتلاءم مع هذه الحاجات لم تتحقق مقاصد الشريعة العامّة وأهدافها الكلّية.
يلاحظ عليه : أنّ أحكام الشريعة بمفاهيمها الكلّية لا تضيق عن مصالح العباد ولا تقتصر عن حاجاتهم ، وهي بذلك مسايرة لمختلف الأزمنة والأمكنة والبيئات والأحوال ، يعلم كلّ ذلك بالإمعان في ما سنذكره :
١. حجّيّة العقل في مجالات خاصّة
إنّ العقل حجّة قاطعة في مواضع له الصلاحية التامة في القضاء والحكم فيها ، فعندئذ فبحكم الملازمة بين الحكم القاطع للعقل والحكم الشرعي ينكشف لنا أحكام شرعية في مواضع شتّى ، كما سيوافيك بيانها.
إنّ القائلين بالاستصلاح لمّا أخرجوا العقل عن مصادر التشريع وأنكروا
__________________
(١) أُصول الفقه الإسلامي : ٧٦٣ / ٢.