مختلف الأبواب يكشف عن أنّ الهدف من التشريع هو حفظ ضروريات الناس وحاجياتهم وتحسيناتهم. (١)
٨. مقاصد الشريعة والتقسيم الثلاثي
قد تعرّفت على التقسيم الثلاثي لمقاصد الشريعة الذي ورثه الباحثون عن إمام الحرمين والغزالي ثمّ الشاطبي ، وحاك على منوالهم المتأخرون في العصر الحاضر ، ولكن يصحّ هذا التقسيم فيما إذا نظرنا إلى الشريعة من منظار التجزئة ، أمّا إذا نظرنا إلى مجموع الديانة الإسلامية عقيدة وشريعة وقِيَماً فالمقصد الأسنى للوحي المحمدي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) هو تربية الإنسان في ظل العقيدة الصحيحة والعمل الصالح على نحو يكون فيه موجوداً مثالياً يُمثّل أسماء الله وصفاته ، وإلى ذلك يشير قوله سبحانه مخاطباً الملائكة : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ). (٢)
وليس المراد من الخلافة هي الخلافة عن موجود أرضيّ كان يعيش قبل آدم ، بل المراد هو الخلافة عن الله سبحانه في الأرض حتّى يكون ممثلاً لأسمائه وصفاته والدليل على ذلك الآية التالية : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٣) ، فلو كان المراد من الخلافة هو النيابة عن موجود أرضي بائد لم يكن وجه لذكر تعليم
__________________
(١) (انظر علم أُصول الفقه ، للأُستاذ عبد الوهاب خلاف.)
(٢) (البقرة : ٣٠.)
(٣) البقرة : ٣١.