وبذلك يظهر خروج القسم الأوّل من كلام ابن القيم عن تحت القاعدة ، لأنّ المفروض أنّ الزنا في حدّ نفسه حرام ولا حاجة في عروض الحرمة عليه ، كونه مستلزماً لاختلاط المياه الّذي فرض في كلام القائل إنّه أيضاً حرام.
كما يظهر خروج القسم الرابع باتّفاق منّا ومن ابن القيم ، لأنّ المفروض أنّ مصلحته أرجح من مفسدته ، فتكون (١) القاعدة مختصّة بالقسمين : الثاني والثالث.
وقد أكثر الإمام مالك العمل بهذه القاعدة حتّى أفتى لمن رأى هلال شوال وحده ، أن لا يفطر لئلّا يقع ذريعة إلى إفطار الفسّاق ، محتجّين بما احتجّ به ، ولكن كان في وسع الإمام أن لا يُحرِّم عليه الإفطار عملاً بالسنّة : «صوموا عند الرؤية وأفطروا عند الرؤية» (٢) ، وفي الوقت نفسه يمنعه عن التظاهر به ويجمع بين القاعدتين ، ولعلّ هذا مراد الإمام.
٥. سدّ الذرائع أصل برأسه عند القائل
الظاهر من القائلين بسدّ الذرائع أنّه دليل مستقل وراء الأدلّة الاجتهادية ، كالكتاب والسنّة والإجماع والعقل ، ولذلك جعلوه دليلاً فيما لا نصّ فيه.
ولكنّك عرفت أنّ المقام من فروع المسألة الأُصولية وهي لزوم اتّحاد حكم المقدّمة وذيها ، فإذا كان الشيء مقدّمة للواجب يحكم بوجوبه ، وإذا كان مقدّمة للحرام يحكم بحرمته ، فالمسألة من فروع تلك القاعدة. فمن قال بلزوم الاتّحاد يحكم في المقام كذلك ، وإلّا فلا.
__________________
(١) (إعلام الموقعين : ١٤٨ / ٢.)
(٢) بلوغ المرام برقم ٢٧١ باختلاف يسير.