«فإنّ عدم محاباة العلماء بعضهم لبعض من أعظم مزايا هذه الأُمّة الّتي أعظم الله بها عليهم النعمة ، حيث حفظهم عن وَصْمَة محاباة أهل الكتابين ، المؤدية إلى تحريف ما فيهما ، واندراس تينك الملّتين ، فلم يتركوا لقائل قولاً فيه أدنى دخل إلّا بيّنوه ، ولفاعل فعلاً فيه تحريف إلّا قوّموه ، حتّى اتضحت الآراء وانعدمت الأهواء ، ودامت الشريعة الواضحة البيضاء على امتلاء الآفاق بأضوائها وشفاء القلوب بها من أدوائها ، مأمونة من التحريف ، مصونة عن التصحيف». (١)
افتتحنا كتابنا هذا بهذه الكلمة القيمة لبعض الأعلام حول مخالفة العلماء بعضهم لبعض في الآراء والنظريات من دون محاباة ، لما فيه من حكمة بالغة تسهّل لنا موضوع النقاش والنقد الذي لم يزل يرافق العلم والعلماء عبر قرون.
إنّ الاختلاف بين الفقهاء نابع عن حبّ الحقيقة لا عن اتّباع الهوى فكان اختلافهم كاختلاف النبيّين العظيمين : داود وسليمان (عليهماالسلام) في واقعة واحدة قال سبحانه : وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ* فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ
__________________
(١) إبانة المختار لشيخ الشريعة الاصفهاني : ١٠.