ثوران الفتنة في بلاد الإسلام ، وحينئذٍ فيجوز لولي الأمر أن يوظف على الأغنياء مقدار كفاية الجند ، لأنّه إذا تعارض شرّان أو خيران ، قصد الشارع دفع أشدّ الضررين وأعظم الشرّين ، وما يؤديه كلّ فرد وحده قليل بالنسبة لمداهمة الخطر الذي يترتّب على زوال السلطة الّتي تحفظ النظام وتقطع دابر الشر والفساد. (١)
إلى هنا تم الكلام في الأمر الأوّل ، أعني : تقسيم الوصف المناسب إلى معتبر وملغى ومرسل.
وإليك الكلام في الأمر الثاني.
الأمر الثاني : أدلّة حجّية المصالح المرسلة
استدلّ على حجّيتها بوجوه :
الدليل الأوّل : قلّة النصوص والمصالح المتجددة
١. أنّ مصالح الناس تتجدّد ولا تتناهى ، فلو لم تشرع الأحكام لما يتجدّد من صالح الناس ، ولما يقتضيه تطورهم واقتصر التشريع على المصالح الّتي اعتبرها الشارع فقط ، لعطَّلت كثير من مصالح الناس في مختلف الأزمنة والأمكنة ، ووقف التشريع عن مسايرة تطورات الناس ومصالحهم ، وهذا لا يتفق وما قصد بالتشريع من تحقيق مصالح الناس. (٢)
وقال المعاصر الزحيلي حول هذا الدليل : إنّ الحياة في تطور مستمر ، وأساليب الناس للوصول إلى مصالحهم تتغير في كلّ زمن وبيئة ، وفي أثناء التطور
__________________
(١) (المصدر نفسه.)
(٢) علم أُصول الفقه : ٩٤.