ويؤيد ما ذكرنا ، من كون محلّ النزاع مطلق ما ينتهي إلى الحرام ، سواء أكان هناك قصد إليه أو لا ، قول ابن القيم قال : «وباب سدّ الذرائع أحد أرباع التكليف ، فإنّه أمر ونهي ، والأمر نوعان : أحدهما : مقصود لنفسه ، والثاني وسيلة إلى المقصود ؛ والنهي نوعان : أحدهما ما يكون النهي عنه مفسدة في نفسه ، والثاني ما يكون وسيلة إلى المفسدة ، فصار سدّ الذرائع المفضية إلى الحرام أحد أرباع الدين». (١)
ولا يصحّ التقسيم (سدّ الذرائع رُبع التكليف) إلّا على القول بأنّ الموضوع هو مطلق ما ليس فيه مفسدة ولكن ينتهي إليها. ولو كان الموضوع ما قصد به التوصّل إلى الحرام يكون سدّ الذرائع ثُمْن التكليف كما لا يخفى.
فخرجنا بالنتيجة التالية : أنّ إفضاء الأمر الحلال إلى حرام ، ممنوع عند المالكية والحنابلة وجائز عند الشافعية والحنفية.
نعم هناك قاعدة فقهية ، وهي حرمة التعاون على الإثم والعدوان ، ولا صلة لها بسدّ الذرائع وانّما هي قاعدة أُخرى.
٣. حرمة الوسيلة حرمة غيرية لا نفسية
تنقسم الحرمة إلى نفسية وغيرية ، فلو كان ملاك الحرمة (المفسدة) موجوداً في نفس الشيء يكون حراماً نفسياً. وأمّا إذا كان الشيء في حدّ ذاته فاقداً للمفسدة ، ولكنّه صار مقدّمة لما فيه المفسدة ، فلو قلنا بلزوم اتّحاد حكم المقدّمة وذيها يوصف بالحرمة الغيرية لا النفسية كحرمة المشي إلى النميمة.
وبما أنّ الذريعة في المقام حلال بالذات خال عن المفسدة ، غير أنّه وقع
__________________
(١) إعلام الموقعين : ١٧١ / ٣.