وحاصل الكلام : أنّ الفقيه يجب أن يعتمد على كتاب الله وسنّة رسوله ، وان يحتج بما جعله الله حجّة بينه وبين الله تبارك وتعالى ، كخبر العدل المتصل إلى المعصوم ، أو العقل فيما له فيه قضاء وحكم ، وأمّا في غير هذه الموارد كآراء الصحابة أو سنّتهم وسيرتهم أو التابعين فكلّها أُمور ظنية لا دليل على الاحتجاج بها إلّا إذا ثبت أنّها أقوال الرسول وسننه ، وأنّى لنا إثبات ذلك.
وبذلك يعلم أنّ الفقه ليس هو نقل آراء الصحابة والتابعين ، أو الفقهاء الذين جاءوا بعدهم ، فإنّ مرد ذلك إلى سرد آراء أُناس غير مصونين عن الخطأ والزلل.
أدلة الشاطبي على حجّية رأي الصحابي
ذهب الشاطبي في موافقاته إلى أنّ سنّة الصحابة سنّة يعمل بها ويرجع إليها ، والظاهر منه انّها من مصادر التشريع ، واستدلّ على ذلك بوجوه أربعة لا يستدلّ بها إلّا من أعوزه الدليل مع الرغبة الأكيدة إلى إثبات المدّعى ، قال :
أحدها : ثناء الله عليهم من غير مثنويّة ، مدحهم بالعدالة وما يرجع إليها ، كقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (١) وقوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً). (٢) ففي الأُولى إثبات الأفضلية على سائر الأُمم ، وذلك يقضي باستقامتهم في كلّ حال ، وجريان أحوالهم على الموافقة دون المخالفة ؛ وفي الثانية إثبات العدالة مطلقاً ، وذلك يدلّ على ما دلّت عليه الأُولى. (٣)
__________________
(١) (آل عمران : ١١٠.)
(٢) (البقرة : ١٤٣.)
(٣) الموافقات : ٥٥ / ٤ ، ط دار الكتب العلمية.