أمّا الأوّل (إيذاء الإخوة) فواضح ، إذ لو كان قاصداً لذلك لعاقبهم بغير هذا الأُسلوب ، وأمّا الثاني (إيذاء الأب) فلأنّ الوالد كان واقفاً على أنّ أخا يوسف سيُحاصر ، حيث قال لهم : (قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ). (١)
والظاهر من الكتاب العزيز أنّ يوسف قام بذلك بأمر من الله سبحانه حيث قال : (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (٢) ، أمره سبحانه بذلك ليبلغ الكتاب أجله ويتم البلاء الذي أحاط بيعقوب ويوسف وتبلغ حكمة الله تعالى التي قضاها لهم نهايتها.
وهل يكون ذلك دليلاً على الجواز لعامة الناس لغايات سخيفة؟!
الاستدلال بالسنّة
استدلّوا من السنّة بما رواه البخاري ، عن أبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري ، أنّ رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) استعمل رجلاً على خيبر ، فجاءه بتمر جنيب ، فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : أكلُّ تمر خيبر هكذا؟ قال : لا والله يا رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) انّا لنأخذ الصاعَ من هذا ، بالصاعين ، والصاعين بالثلاثة ، فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) : «لا تفعل ، بع الجمع بالدراهم ، ثمّ ابتع بالدراهم جنيباً». (٣)
والجمع نوع من تمر خيبر رديء ، والجنيب نوع جيد ، ولم يفصّل بين أن يكون البيع من رجلين أو رجل واحد.
وقد ظهر الجواب ممّا ذكرناه من أقسام الحيل ، وأنّ الشارع هو الّذي جعل للشيء طريقين حرّم أحدهما وسوّغ الآخر.
__________________
(١) (يوسف : ٦٦.)
(٢) (يوسف : ٧٦.)
(٣) إعلام الموقعين : ٢٠٢ / ٣ ؛ ولاحظ بلوغ المرام برقم ٨٥٥.