السنّة ، وقد عرفت أنّ الإمام مالكاً خصّ العمل به بما إذا توفّرت فيه الشروط الثلاثة التي منها أن لا تنافي إطلاق أُصول الشرع ولا دليلاً من أدلّته.
فتلخّص أنّ الاستصلاح بالمعنى الأوّل والمعنى الثاني بكلا قسميه خارج عمّا هو محط البحث لدى الأُصوليين ، وإليك سائر الأقسام.
الثالثة : إنشاء الحكم فيما لا نصّ فيه على وفق المصلحة
إذا كان الموضوع ممّا لا نصّ فيه ولكن أدركنا بعقولنا وجود مصلحة فيه وإن لم يرد من الشارع أمر بالأخذ ، ولا بالرفض ، فتشريع الحكم الشرعي على وفقها هو الاستصلاح ولا مانع منه ويعلّله بعض المعاصرين بأنّ الحياة في تطوّر مستمر ، ومصالح الناس تتجدّد وتتغير في كلّ زمن ، فلو لم تشرع الأحكام المناسبة لتلك المصالح ، لوقع الناس في حرج ، وتعطّلت مصالحهم في كلّ الأزمنة والأمكنة ، ووقف التشريع عن مسايرة الزمن ومراعاة المصالح والتطوّرات ، وهذا مصادم لمقصد التشريع في مراعاة مصالح الناس وتحقيقها. (١)
يلاحظ عليه : أنّ لتشريع الحكم على وفق المصلحة صوراً :
الأُولى : تشريعه في الأُمور العبادية التوقيفية ، كتشريع الأذان الثاني لصلاة الجمعة لمّا كثر المسلمون ولم يكف الأذان بين يدي الخطيب لإعلامهم ، فلا شكّ انّه تشريع محرّم وإدخال في الدين ما لم يأذن به الله ، لأنّ الأذان الثاني عمل عباديّ لم يأذن به الشارع مع توفّر طرق أُخرى عاديّة لإعلام المصلّين ، من دون لزوم التشريع كما هو واضح.
الثانية : إذا كان أصل الحكم منصوصاً بوجه كلي ، ولكن فُوِّضت كيفيةُ العمل به وتحقيقه على صعيد الحياة إلى الحاكم الشرعي ، وذلك مثل ما مرّ من
__________________
(١) الوجيز في أُصول الفقه : ٩٤ ؛ مصادر التشريع الإسلامي : ١٠٠.