وقد منع عمر بن الخطاب المؤلّفة قلوبهم ... من أخذ الزكاة قائلاً بأنّ مناط الحكم هو ضعف المسلمين وشوكة الكافرين فيصرف شيء من الزكاة فيهم ، لكي يستعان بهم على الكفار ، وهو منتف الآن. وبهذا ، قيّد إطلاق الآية : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (١) وخصّصها بصورة الضعف وأخرج صورة القوّة.
ولكنّه تشريع تجاه النص ، والاستصلاح في المقام ، كالاستصلاح في القسم الأوّل بدعة ، غير أنّه في الأوّل بمعنى نبذ النص من رأسه وفي المقام نبذ لإطلاقه.
إنّ هذا القسم من الاستصلاح ربما يعبّر عنه بالأخذ بروح القانون (٢) ، وهو بذل الجهد للوقوف على ملاك الحكم ومناطه الذي يقع التشريع وراءه ، وهو يكون أساساً لعملين :
١. إسراء الحكم ممّا فيه النصّ إلى ما ليس فيه إذا كان حائزاً للمناط ، وهنا تلتقي المصالح المرسلة مع القياس.
٢. تقييد إطلاق النصّ بالمناط والاسترشاد بالمصلحة والأخذ بروح القانون لا بحرفيّته.
إنّ الاستصلاح في كلا الموردين ممنوع ، امّا إذا كان أساساً للقياس فقد مرّ الكلام فيه وانّه لا دليل على حجّيته ؛ وأمّا الثاني ما كان سبباً لتقييد إطلاق الدليل فيه ، ففيه :
أمّا أوّلاً : فإنّ عقول الناس أقصر من أن تحيط بالمصالح والمفاسد.
وثانياً : فإنّ الاستصلاح بهذا المعنى ، فوق ما يرومه الأُصوليّون من أهل
__________________
(١) (التوبة : ٦٠.)
(٢) فجر الإسلام : ٢٣٨ ، نشر دار الكتاب.