الرابع : العدول من مقتضى القياس بدليل
قد يطلق ويراد منه هو العدول عن مقتضى القياس بدليل شرعي ، سواء كان المعدول إليه قياساً أم غيره. نعم يشترط في المعدول عنه كونه قياساً.
وهذا هو الذي يظهر أيضاً من السرخسي في أُصول فقهه قال : هو الدليل يكون معارضاً للقياس الظاهر الذي تسبق إليه الأوهام قبل إنعام التأمل فيه ، وبعد إنعام التأمل في حكم الحادث وأشباهه من الأُصول يظهر أنّ الدليل الذي عارضه ، فوقه في القوة وانّ العمل به هو الواجب. (١)
وظاهر هذا التعريف كما عرفت أنّ العدول عن القياس بدليل شرعي هو الاستحسان ، وعلى ضوء هذا يختص الاستحسان بصورة العدول عن مقتضى القياس فحسب لا مطلق الدليل ، فيشترط في المعدول عنه أن يكون قياساً ، وأمّا المعدول إليه ، فيشترط أن يكون دليلاً غير القياس.
وهذا هو الظاهر من الكرخي أيضاً حيث عرفه بقوله : إثبات الحكم في صورة من الصور على خلاف القياس من نظائرها مع أنّ القياس يقتضي إثباته ، بدليل خاص لا يوجد في غيرها. (٢)
ولنذكر مثالاً :
إذا ضاع شيء تحت يد الصانع ، فمقتضى القياس هو عدم ضمانه إذا ضاع أو تلف لديه من غير تقصير منه قياساً على يد المودع ، ولكن روي عن الإمام علي ابن أبي طالب (عليهالسلام) والقاضي أبي أُمية شريح بن الحارث الكندي بأنّهما يضمّنان
__________________
(١) (أُصول الفقه : ٢٠٠ / ٢.)
(٢) الوصول إلى الأُصول : ٣٢١ / ٢ ؛ المنخول : ٣٧٥ ، حيث قال : الصحيح في ضبط الاستحسان ما ذكره الكرخي.