ومن المعلوم أنّ عمل البعض لا يعدّ دليلاً على الإجماع وإن سكت الآخرون ، وذلك لأنّ الصحابة لم يكونوا مجتمعين في المدينة المنورة ، بل ميادين الجهاد والبلدان المفتوحة والثغور وغيرها أخذت كثيراً من الصحابة ولاة وعمّالاً وجنداً وقادة ، فكيف عرف اتّفاقهم على هذين المقامين حتّى يتحقّق الإجماع؟!
وأمّا الثالثة : وهو عدم إنكار أحد منهم فهو أيضاً محجوج بالروايات القطعية عن بعض الصحابة والتابعين في استنكار القياس. وسيوافيك بيانها.
استنكارات الصحابة للعمل بالقياس
رويت كلمات عن بعض الصحابة (تحذر) بالعمل بالقياس ، وها نحن نذكر بعض هذه الكلمات :
١. عن عمر بن الخطاب : إيّاكم وأصحاب الرأي ، فإنّهم أعداء السنن ، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي ، فضلّوا وأضلّوا. (١) وقد شاع عند القائل بالقياس أنّ الرأي هو القياس أو أعمّ منه ومن غيره.
وعلى كلّ تقدير يعمّ القياس.
٢. وعن علي (عليهالسلام) قال : «لو كان الدين يؤخذ قياساً لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره».
٣. وعن (٢) ابن عباس : يذهب قرّاؤكم وصلحاؤكم ، ويتّخذ الناس علماءً
__________________
(١) (الإحكام لابن حزم : ٧٧٩ / ٦ ٧٨٠ ، تحقيق أحمد شاكر ؛ الفقه والمتفقّه للخطيب البغدادي : ١٨١ / ٥.)
(٢) الإحكام للآمدي : ٤٤ / ٤.