يلاحظ على الآية الأُولى : أنّها بمعزل عن الدلالة على «استقامتهم على كلّ حال» وإنّما هي بصدد بيان أحد أمرين :
١. انّ الآية تخاطب معاشر المسلمين عبر القرون بأنّهم خير أُمّة أظهرها الله للناس بهدايتها بحجّة انّهم يؤمنون بالله ويأتون بفريضتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والخطاب وإن كان للحاضرين في عصر الخطاب لكن خطابات القرآن كخطابات الكتب المصنّفة لا تختص بفرد دون فرد ، بل تشمل كلّ المسلمين من دون اختصاص بالصحابة ، كيف وقد قال سبحانه : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) (١) ، وقال سبحانه : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (٢) فيكون الخطاب عاماً يشمل جميع المسلمين من عصر الرسالة إلى يوم البعث.
ثمّ إنّ وصف الأُمّة بهذا الوصف ليس باعتبار اتصاف كلّ فرد منهم به ، بل لأجل اتّصاف جمع منهم بحقيقة الإيمان والقيام بحق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وليس ذلك بأمر بديع وقد وصف القرآن بني إسرائيل بكونهم ملوكاً وهو وصف لبعضهم وقال : (اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً). (٣)
ولو افترضنا تواجد هذه الصفات في عامة المسلمين ، لما كان دليلاً على حجّية آرائهم وتفكّراتهم ، بل يكون دليلاً على فضيلتهم وكرامتهم ، وأين هي من حجّية آرائهم؟!
__________________
(١) (الفرقان : ١.)
(٢) (الأنعام : ١٩.)
(٣) المائدة : ٢٠.