التحسين والتقبيح العقليين ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر آمنوا بمقاصد الشريعة وأنّ أحكام الشرع تابعة لمصالح ومفاسد فلم يجدوا طريقاً إلى إدراكها سوى العمل بالظن ، أي المصالح المرسلة.
وهذا من عجيب الأُمور ، حيث لا يعتدّون بالحكم القطعي للعقل ، ومع ذلك يعملون بالظن بالمصالح أو المفاسد.
فلو كان العمل بالقطع العقلي ممنوعاً ، فالعمل بالظن «المصالح المرسلة» يكون مثله ، فما هو المبرّر للفرار من الرمضاء إلى النار.
إنّ الاعتراف بحجّية العقل ليس بمعنى أنّه يطلق سراحه في جميع المجالات حتّى يتاح له أن يتسرّع بالحكم في مصالح الفرد والمجتمع بشكل العلاقات والروابط الاجتماعية والعبادات ، وإنّما يُفسح له المجال فيما أعطاه الله سبحانه له حقّ القضاء الحاسم ، وذلك كما في الموارد التالية.
أ. الحكم بالحسن والقبح العقليين الّذي يندرج تحته قسم كبير من الأُمور الّتي فيها المصلحة والمفسدة ، مثلاً يحكم بالبراءة عند عدم البيان ، والاشتغال عند وجوده مع تردّد الأطراف ، أو التخيير فيما إذا لم يمكن الاحتياط.
ب. باب الملازمات نظير الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته ووجوب وحرمة ضدّه ، أو عدمهما ، وحرمة العبادة وفسادها ، وإجزاء الأوامر الاضطرارية كالتيمّم والظاهرية كالصلاة في ثوب نجس مستصحب الطهارة ، إلى غير ذلك من الموارد.
ج. أبواب التزاحم ، أي تزاحم المصالح التي لا بدّ من أخذها ، أو تزاحم المصالح والمفاسد ، فإنّ للعقل دوراً فيها ، وله ضوابط لتقديم إحدى المصلحتين على الأُخرى ، أو تقديم المصلحة على المفسدة ، أو بالعكس.