فإن قلت : ما هو المراد من إضلاله سبحانه ، فإنّ الإضلال أمر قبيح فكيف نسب إلى الله سبحانه؟
قلت : إنّ الإضلال يقابل الهداية ، وهي على قسمين ، فيكون الإضلال أيضاً مثلها.
توضيحه : انّ لله سبحانه هدايتين :
هداية عامّة تعمّ جميع الناس من غير فرق بين إنسان دون إنسان حتى الجبابرة والفراعنة ، وهي تتحقق ببعث الرسل وإنزال الكتب ودعوة العلماء إلى بيان الحقائق ، مضافاً إلى العقل الذي هو رسول باطني ، وإلى الفطرة التي تسوق الإنسان إلى فعل الخير.
وهداية خاصّة وهي تختص بمن استفاد من الهداية الأُولى ، فعندئذ تشمله الألطاف الإلهية الخفية التي نعبر عنها بالهداية الثانوية أو الإيصال إلى المطلوب.
قال سبحانه : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ). (١)
وقال تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا). (٢)
وأمّا إذا لم يستفد من الهداية الأُولى ، فلا يكون مستحقاً للهداية الثانية ، فيضلّ بسبب سوء عمله ، فإضلاله سبحانه ، كناية عن الضلال الذي اكتسبه بعمله بالإعراض من الاستضاءة بالهداية الأُولى.
قال سبحانه : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٣) فإضلاله سبحانه كإزاغته نتيجة زيغهم وإعراضهم وكِبْرهم وتولّيهم عن الحقّ.
__________________
(١) (محمد : ١٧.)
(٢) (العنكبوت : ٦٩.)
(٣) الصف : ٥.