أقول : يلاحظ عليه بوجوه :
أوّلاً : أنّ أقصى ما يمكن أن يقال هو الظن الغالب بأنّه استند إلى الوجوه الخمسة الأُولى لا القطع به ، وقد أثبتنا في محلّه أنّ الأصل في الظن عدم الحجّية ، إلّا إذا دلّ دليل قطعي على حجّيته.
ثانياً : من أين نعلم أنّ فهمه من الكتاب كان فهماً صحيحاً؟ أو انّ استفادته من اللغة كانت استفادة رصينة مع أنّ التابعين من العرب الأقحاح مثله؟ فما هو الفرق بين قوله وقول التابعين؟
ثالثاً : على أنّه يحتمل أن يكون لفتواه مصادر ظنّية اعتمد عليها ، كالقياس بشيء لا يخطر في أذهاننا ، أو الاعتماد على وجوه واعتبارات تبلورت في ذهنه ، أو الاستناد إلى الإطلاق والعموم مع أنّه ليس من مواردهما ، لكون المورد شبهة مصداقية لهما.
الدليل الثاني
قد ذكر ابن القيّم في الوجه الرابع والأربعين ما هذا لفظه : انّ النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) قال : «لا تزال طائفة من أُمّتي ظاهرين بالحق».
وقال علي كرم الله وجهه : «لا تخلو الأرضُ من قائم لله بحجّة ، لئلّا تبطل حججُ الله وبيّناته» فلو جاز أن يخطئ الصحابي في حكم ولا يكون في ذلك العصر ناطق بالصواب في ذلك الحكم لم يكن في الأُمّة قائم بالحقّ في ذلك الحكم ، لأنّهم بين ساكت ومخطئ ، ولم يكن في الأرض قائم لله بحجّة في ذلك الأمر ، ولا من يأمر فيه بمعروف أو ينهى فيه عن منكر. (١)
__________________
(١) إعلام الموقعين : ١٥٠ / ٤ ، فصل جواز الأخذ بفتاوى الصحابة.