وتحقيقاً لهذا الغرض عقدتُ بابين ، خصّصت الأوّل منهما للحديث عن المرجع عند الإمامية في ما لا نصّ فيه ، والثاني لبيان المرجع في ما لا نصّ فيه عند السنّة.
ولما كان هناك بعض المشتركات الّتي يعتمدها فقهاء الفريقين كالاستصحاب أو استصحاب البراءة فقد ذكرته في الباب الأوّل وأشرت في الهامش إلى أنّ هذا الأصل متّفق عليه.
ولو لمس القارئ في تقرير كلام المخالف شيئاً من القسوة في التعبير فذلك نابع عن حب الحقيقة والتعريف بها لا تنديد بالمخالف. فإنّي اثمّن الخلاف المبني على الدليل والبرهان.
رحم الله أُستاذنا الكبير السيد الإمام الخميني (قدسسره) فقد قال يوماً في بعض دروسه مثمِّناً مخالفة الفقهاء بعضهم لبعض والتي بها حياة العلم وتكامله وبقاء الشريعة ونضارتها ، قال ما هذا مثاله : لو أنّ صاحب الشريعة أو أحد الأئمّة المعصومين (عليهمالسلام) كتب كتاباً جمع فيه أُصول أحكام العبادات والمعاملات والإيقاعات والسياسات ثمّ أودعه بين الأُمّة ليقتصروا عليه دون أن يخضع للبحث والدراسة ، لماتت الشريعة وفقدت نضارتها ، وبقيت الشكوك تطرأ عليها وتجعلها في غمّة بعد غمّة ، فالذي أعطى للشريعة خلوداً وبقاءً ، وأضفى عليها رونقاً وبهاءً هو دراسة الآيات والروايات ، وبالتالي ظهور آراء وأفكار متنوعة في شتى المجالات. ومناقشة الفتاوى والنظريات.
وانطلاقاً من هذا المبدأ قمت بدراسة أحكام الموضوعات الّتي لا نصّ فيها على ضوء كلا الفقهين وأُصولهما وسميته ب «أُصول الفقه المقارن في ما لا نصّ فيه».