فيه ليس نهيا اصطلاحيا بمعنى الزجر عن الفعل لمفسدة فيه ، بل يكون هناك مصلحة قائمة بالفعل ومصلحة أخرى قائمة بالترك ، ولا يبعد كونها أهم من مصلحة الفعل ، كما يستفاد ذلك من كثرة الحث عليه والتزام الأئمة به. هذا في مرحلة الثبوت.
وامّا في مقام الإثبات ، فالمراد من النهي امّا ان يكون طلب الترك ويكون مستعملا في معناه الحقيقي بناء على القول بأنه طلب ترك الفعل ، أو يكون مستعملا في الإرشاد إلى أولوية اختيار الترك لاشتماله على المصلحة الأهم مع كونه موافقا لراحة النّفس ولو كان استعماله في ذلك على نحو من المسامحة ، إذ لا يعقل ان يكون مستعملا في معناه الحقيقي وهو الزجر عن الفعل ، فيكونان من قبيل المستحبين المتزاحمين.
وقد استشكل (١) في ذلك بأنه ما فائدة جعل مثل هذين الحكمين مع انّ المكلف بطبعه لا يخلو من الفعل أو الترك.
وبعبارة أخرى : طلب النقيضين والضدين اللذين لا ثالث لهما مستحيل ، لأنه ان كان تعيينيا فهو من طلب المحال ، وان كان تخييريا يكون من اللغو الواضح ، ومن هذه الجهة لم يرتض الميرزا قدسسره هذا الجواب ، وأجاب بجواب آخر سنبينه إن شاء الله.
ويرد على الإشكال انّ طلب الضدين اللذين لا ثالث لهما وان كان محالا كالنقيضين إلّا انّ المقام ليس كذلك ، فانّ الفعل المطلوب ليس هو مجرد الكف والإمساك ، وانما هو الإمساك الخاصّ أعنى مع النية وله ضدان : أحدهما مجرد ترك ذلك ، وثانيهما الترك مع النية أي بقصد القربة ، وما يعلق به الطلب انما هو ذات ترك الصوم دون المقيد بقصد القربة ، فيكون توصليا كأكل الرمان يوم الجمعة. فبابه باب المستحبين المتزاحمين كما هو واضح ، فالتوجيه الّذي ذكره الشيخ قدسسره أحسن ما قيل
__________________
(١) راجع فوائد الأصول ـ المجلد الأول ـ ص ٤٣٩.