بعض؟!
قلت : التنافي هناك أيضا ليس بين نفس الحكمين ، وانما هو بين الترخيص في التطبيق المستفاد من إطلاق الأمر بالطبيعي وبين النهي ، فان لازم إطلاق المأمور به بمعنى رفض القيود كون المكلف مرخصا في تطبيقه على أي فرد شاء ، فإذا فرضنا انّ فردا من افراد الطبيعي مبغوض للمولى تحريميا لا يعقل بقاء الترخيص في التطبيق بالقياس إليه ، فمن هذه الجهة تقع المعارضة بين إطلاق دليل الأمر ودليل التحريم.
واما في النهي التنزيهي ، فحيث انه لا ينافي الترخيص بل ربما يصرح به فيه غاية الأمر يكون فيه حزازة فلا منافاة بينهما أصلا ، وعليه فيكون أصل الطبيعي مأمورا به والتطبيق مكروها اصطلاحيا. ولعل هذا هو مراد من حمل الكراهة على أقلية الثواب (١) ، وإلّا فلو أريد منها ظاهرها فأغلب العبادات مكروهة ، فانّ زيارة الحسين عليهالسلام يوم السبت أقل ثوابا منها في ليلة الجمعة وهكذا. هذا فيما إذا كان في البين مندوحة.
وامّا في فرض عدمها ، فتسقط الكراهة لا محالة ، إذ لا معنى لها بعد الانحصار وعدم قدرة المكلف على امتثال كلا الخطابين ، فلا بدّ من سقوطها حينئذ.
وبهذا البيان ظهر الحال في القسم الثاني ، فانّ الأمر فيه متعلق بالطبيعي ، ولا ينافيه تعلق النهي التنزيهي ببعض افراده.
وامّا القسم الثالث : أعني ما إذا تعلق النهي بحصة مما تعلق به الأمر من دون ان يكون لها بدل كالنهي عن صوم يوم عاشوراء ، فكيف يعقل كون الفعل الواحد محبوبا ومبغوضا؟!
وقد أجيب عن ذلك بوجوه ، أحسنها ما ذكره الشيخ قدسسره وحاصله : انّ النهي
__________________
(١) كفاية الأصول ـ المجلد الأول ـ ص ٢٨٥.