فنقول : الظاهر كونه حكما تعبديا ، وذلك لتمكن المكلف من الإتيان بالصلاة مع الطهارة المائية وطهارة البدن من الخبث وإحراز ذلك بتكرار الصلاة بان يتوضأ تارة بأحد الإناءين ويصلي ثم يطهر مواضع وضوئه من الإناء الثاني ويتوضأ به ويصلي ثانيا ، فانه يقطع بإتيانه بالصلاة مستجمعة لجميع الشرائط ، غاية الأمر لا يمكنه تمييز ما هو مصداق المأمور به خارجا ، وهو غير لازم ، نظير ما إذا تردد ثوبه بين الثوب المتنجس والطاهر ، فانّ جماعة من الفقهاء في فرض انحصار الثوب بالمتنجس أفتوا بأنه يصلّي عاريا. وامّا في الثوبين المشتبهين حكموا بلزوم الإتيان بصلاتين في ثوبين ، ومقامنا من هذا القبيل ، وعليه فالحكم بإراقة الماءين حكم تعبدي محض.
وصاحب الكفاية (١) فصل بين ما إذا كان الماء ان قليلين وما إذا كانا كثيرين ، ففي الأول ذهب إلى استصحاب نجاسة البدن ، فانّ المكلف بمجرد وصول الماء الثاني إلى بدنه قبل انفصال الغسالة الّذي هو مقوم لعنوان الغسل يعلم بنجاسة بدنه ، سواء كان الماء الأول نجسا أو الماء الثاني ، وبعد ذلك يستصحب النجاسة ، وعليه فالتوضي بالماءين وان كان مستلزما لإحراز الطهارة المائية إلّا انه مستلزم للعلم بنجاسة البدن ولهذا يكون تبدل الوظيفة إلى التيمم حكما على طبق القاعدة ، وهذا بخلاف ما إذا كان الإناء الثاني كرا فانه لا يتيقن النجاسة في زمان أصلا.
وفيه : مضافا إلى ما ذكرناه ، انّ استصحاب النجاسة في الفرض الأول وان كان جاريا إلّا انه على المختار من عدم اعتبار اتصال زمان اليقين بالشك يكون استصحاب الطهارة هناك جاريا أيضا ، وهو استصحاب الكلي المردد من حيث الزمان ، فانه كما يعلم بنجاسة بدنه عند ملاقاته مع الإناء الثاني كذلك يعلم بطهارة
__________________
(١) كفاية الأصول ـ المجلد الأول ـ ص ٢٨١.