والنهي التنزيهي؟ ظاهر الكفاية (١) هو الثاني.
فنقول : امّا النهي عن العبادة كما لو فرضنا انّ ترك واجب صار مقدمة لفعل واجب أهم فبما انه لا يكون ناشئا عن مبغوضية متعلقه بل الغرض منه التوصل إلى الواجب الأهم لا يكون مستلزما للفساد ، امّا على الترتب فواضح ، إذ عليه يكون المهم مأمورا به في فرض ترك الأهم فيصح الإتيان به بقصد الأمر ، وامّا لو أنكرنا الترتب فما تعلق به النهي وان لم يكن مأمورا به أصلا إلّا انه مع ذلك يصح الإتيان به بقصد الملاك ، لما ذكرنا من انّ النهي الغيري لا يكشف عن مبغوضية متعلقه فيجوز التقرب به كما هو واضح.
وامّا النهي التنزيهي فهو على قسمين : وذلك لأنه تارة : يرجع إلى النهي عن تطبيق المكلف طبيعي المأمور به على بعض افراده ، كما لو فرضنا انّ المأمور به هو الطبيعي بنحو صرف الوجود فانه بالالتزام يدل على ترخيص المكلف في التطبيق أو انّ هناك يكون الترخيص ثابتا بحكم العقل ، فإذا تعلق النهي بفرد من افراده ، فان كان تحريميا لا محالة يقيد به الترخيص المزبور ، وان كان تنزيهيا فبما انه لا ينافي الترخيص لا يوجب تقييدا في ذلك أصلا ، نعم يستفاد منه حزازة ذاك الفرد ومنقصته عن غيره.
وأخرى : يتعلق النهي التنزيهي بغير ما تعلق به الأمر ، كما لو فرضنا تعلق الأمر بالطبيعي بنحو مطلق الوجود وقال : «أكرم كل عالم» ثم ورد نهي تنزيهي عن إكرام زيد العالم فبما انّ الأحكام الخمسة كلها متضادة لا محالة يرتفع الأمر المتعلق بذلك الفرد ، فلا تصح العبادة حينئذ ، وعليه فالنهي التنزيهي أيضا يدل على الفساد لكن في العبادات لا المعاملات.
__________________
(١) كفاية الأصول ـ المجلد الأول ـ ص ٢٨٤.