وكان المتكلم متكلا على القرائن المنفصلة غالبا كما هو ثابت ببناء العقلاء من باب تبعية مقام الإثبات لثبوت ، وظهور المقيد فيما بعد لا يكشف عن عدم انعقاد الظهور للمطلق من الأول ، وانما يكون تقديمه على المطلق من باب تقديم أقوى الظهورين كما سنبينه في المبحث الآتي. مع انّ ما ذكره قدسسره من انّ إجمال المخصص المنفصل لا يسري إلى العام لا يتم إلّا على ما بيناه ، مثلا لو ورد «أكرم كل عالم» وورد في دليل منفصل «لا تكرم فساقهم» وكان الفاسق مجملا من حيث شموله لمرتكب الصغيرة ، فذهب قدسسره إلى انّ العام حجة في ذلك ، فلو فرضنا انّ ظهور العام في العموم لا ينعقد إلّا بعد الفحص والعثور على المخصص يكشف عن عدم انعقاد الظهور للعام من الأول ، فكيف يمكننا التمسك به لإثبات وجوب إكرام العالم المرتكب للصغيرة.
فهذا الوجه أيضا غير تام.
الوجه الخامس : مما يستدل به على وجوب الفحص عن المخصص ما ذكروه في وجوب الفحص عن الأحكام الإلزامية في موارد الرجوع إلى البراءة ، وحاصله : انّ الرجوع إلى الأصل العملي قبل الفحص بما انه يكون معرضا لاندراس الأحكام أو جملة منها غير جائز ، لأنّ ديدن الشارع في الأحكام وبيانها والموالي العرفية في تبليغ قوانينهم ليس بإيصالها إليهم بالجبر والقهر ، وانما هو بيانها في معرض تمكن المكلف من الوصول إليها بالفحص ، فإذا لم يفحص يفوته ذلك عادة ولا يكون معذورا في جهله ، لأنّ العقل في مثله يستقل بلزوم الفحص والروايات تطابقه كقوله عليهالسلام «يقال للعبد يوم القيامة هلّا تعلمت» وهذا الحكم العقلي والروايات المؤيدة له يقيد إطلاق دليل البراءة كحديث الرفع.
ونظير هذا البيان يجري في المقام أيضا ، فانه إذا أحرزنا انّ ديدن المتكلم انما هو على الاتكال على القرائن المنفصلة لتقية أو نحوها من المصالح أو المفاسد ، وانه لا يوصلها إلى المكلفين بالقهر والجبر وانما يجعلها في معرض الوصول إذا فحص العبد