والنبات والمعدوم والغائب أيضا كما في جملة من الإشعار وغيرها في جميع اللغات. فهذه أيضا مما لا ينبغي النزاع فيها.
انما البحث في المرحلة الثالثة ، وانّ أداة الخطاب هل هي موضوعة للخطاب الحقيقي ليستحيل شمولها للمعدومين والغائبين أو هي موضوعة للخطاب الإنشائي ليعم الغائبين والمعدومين أيضا؟ والظاهر هو الثاني ، وذلك لأنا لا نرى أي مسامحة في الخطابات المتوجهة إلى الجمادات ونحوها ، بل يصح قول الشاعر أيا جبلي نعمان ... إلخ. بلا عناية كالخطاب الموجه إلى الشاعر الملتفت فتأمل وهكذا نظائره من النثر والشعر ، فأداة الخطاب موضوعة للخطاب الإنشائي أعني به إبراز الخطاب وإنشائه ، ومع التنزل على ذلك وتسليم كونها موضوعة للخطاب الحقيقي فالخطابات الشفاهية الواردة في الكتاب ليست كذلك قطعا لعدم اختصاص مؤدياتها من الأحكام بخصوص الحاضرين مجلس التخاطب ، بل تعم غيرهم من الموجودين في ذلك الزمان يقينا ، فلا محالة يعمهم الخطاب أيضا ولو استلزم كون الاستعمال مجازيا.
ثم انّ هذا كله مبني على امر غير ثابت وهو ان تكون الخطابات الواردة في الكتاب المجيد مما أنشأه النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم بأمر من الله جل شأنه ليكون الخطاب خطابا منه صلىاللهعليهوآلهوسلم متوجها إلى الحضار ، ولكن الثابت خلاف ذلك وانّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم انما يحكي القرآن ويتلو ما نزل عليه من الله تعالى قبل ذلك كتلاوتنا إياه ، وإليه يشير قوله تعالى (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ)(١) فليس هناك حضار لمجلس التخاطب ليختص بهم الخطاب دون غيرهم ، فلا بدّ وان تحمل الخطابات الواردة في القرآن على الخطاب الإنشائي بداعي تفهيم البشر ، نظير ما يقع من هذا القبيل في تأليف المؤلفين. هذا في الخطابات الشفاهية الواردة في القرآن.
__________________
(١) طه ـ ١١٤.