فالإطلاق أو التقييد تارة : يكون ثبوتيا ، وأخرى : إثباتيا. امّا الثبوتيان فالتقابل بينهما ليس تقابل العدم والملكة كما توهم ، بل تقابل التضاد ، لأنّ كلا منهما امر وجودي متقوم باللحاظ ، فالتقييد عبارة عن لحاظ قيد وأخذه في الماهية وهي الماهية بشرط شيء ، والإطلاق عبارة عن لحاظ القيود ورفضها في مقام الحكم المعبر عنه سواء كان كذا أو كذا الّذي هو مستلزم للسريان لجميع الافراد وهي الماهية اللابشرط القسمي ، فهما ضدان ، ومن هنا ذكرنا في ما تقدم انّ استحالة أحدهما بعد وضوح استحالة الإهمال النّفس الأمري تستدعي ضرورية الآخر ، لا استحالته كما توهم مبنيا على التوهم السابق. وامّا الإطلاق والتقييد في مقام الإثبات فتقابلهما تقابل العدم والملكة ، فانّ الإطلاق عبارة عن عدم ذكر القيد في الكلام في مورد قابل للتقييد ، وعليه فإذا استحال التقييد في مورد ولم يتمكن المولى منه لتقية أو سعال أو عدم ورود الحكم على المقسم أو نحوه استحال الإطلاق أيضا ، فلا نتمكن من استكشاف إطلاق المراد من اللفظ أصلا. فالمقدمة الأولى للتمسك بالإطلاق هي تمكن المتكلم من التقييد لو كان مراده مقيدا.
المقدمة الثانية : كون المتكلم في مقام البيان ، فلو فرضنا انه في مقام الإهمال وأصل التشريع كما لو رأى طبيب مريضا في الطريق وقال له لا بدّ لك من شرب الدواء لا يتوهم عاقل جواز التمسك بإطلاق مثل ذاك الكلام وشرب مطلق ما يصدق عليه الدواء ، وهكذا لو كان في مقام البيان من جهة لا يمكن التمسك بإطلاق كلامه من الجهة الأخرى التي لم يحرز كون المتكلم في مقام البيان منها ، مثلا قوله تعالى (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ)(١) في مقام البيان قطعا من جهة عدم اعتبار التذكية بالذبح فيما يصطاده الكلب ، فهل يتوهم التمسك بإطلاقه من حيث عدم نجاسة
__________________
(١) المائدة ـ ٤.