بها مجموعة من الامّة الإسلاميّة ، وبتعبير آخر هي مختصة بالحكومة وموظفي الحكومة حيث ورد فيها : (وَلْتَكُنْ مِّنْكُمْ امَّةٌ يَدْعُونَ الَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
وعندما نضع هذه الآية في قبال الآية السّابقة نجد أنّ الآية السّابقة تتحدث عن مرحلة من مراحل هاتين الوظيفتين المهمتين غير المرحلة التي تتحدث عنها هذه الآية ، فتلك مرحلة القلب واللسان وهذه مرحلة استخدام القوة والشدَّة ، والملفت للنظر هو أنّ هذه الآية تحصر الفلاح بأولئك الأشخاص الّذين يؤدون هاتين الوظيفتين العظيمتين (إلتفتوا إلى أنّ جملة أولئك هم المفلحون تدل على الحصر) (١).
والتعبير بالأمَّة ، قد يكون إشارة إلى أنّ هذه الوظيفة لابدّ أنْ تؤدّى بصورة «جماعية» ، وأن تكون مقترنة «بمنهج تنظيم» ، ونحن نعلم بأنّ الأمور الّتي تحتاج إلى شدة والتي تؤدّى من قبل الحكومة لا تكون ممكنة بغير الشّرطين.
وذيل الآية يبيّن بوضوح أنّ كل فلاح ونجاح في الدّنيا والآخرة وفي الفرد والمجتمع ، لا يتحقق إلّافي ظل هاتين الوظيفتين.
* * *
وفي الآية الثّالثة ، إشارة إلى نكتة ظريفة اخرى في مجال هاتين الوظيفتين العظيمتين ، تتضح لنا من خلال دراسة سبب النزول.
فقد ورد في سبب نزول هذه الآية أنّ مجموعة من علماء وأخبار اليهود كانوا قد أسلموا والتحقوا بصفوف المسلمين ، ممّا أدّى إلى غضب زعماء اليهود جدّاً ، فمن أجل إذلال وتحقير هؤلاء المؤمنين ادّعى زعماء اليهود أنّ ثلّة من أشرارهم قد اعتنقوا الإسلام وإنّهم لو كانوا صالحين ما تركوا دينهم!!
__________________
(١) ما قاله البعض من أنّ «من» التي وردت في الآية زائدة أو أنّها للبيان ، وأنّ مفهوم الآية شاملٌ لكل المؤمنين ، مخالف لظاهر الآية ، فالظاهر منها هو أنّ «من» تبعيضية ، أي أنّه يجب على مجموعة منكم فقط القيام بهذه الوظيفة. وكذلك فإنّ ما قاله البعض من أنّ «من» تبعيضية للواجب الكفائي ، مخالف للظاهر أيضاً ، لأنّ الواجب الكفائي واجب على الجميع ، غايته أنّ نوع الوجوب فيه يختلف عن نوع الواجب العيني (وتوضيح ذلك موكول إلى علم الأصول).