فالآية المذكورة أعلاه تجيب هؤلاء وتقول : (لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ اهْلِ الْكِتابِ امَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ* يُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوف ويَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِى الْخَيْراتِ وَاولَئِكَ مِنَ الصَّالِحيِنَ).
فالآية تلخص خصائص الصّالحين من أهل الكتاب الذين اعتنقوا الإسلام في ثلاثة أمور : الإيمان بالمبدأ والمعاد ، ثُمّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، وفي النّهاية المسارعة في الخيرات. وهذا يدل على أنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر يعدُّ من أبرز مظاهر الصّالحين بعد الإيمان بالله ويوم القيامة ، وأنّه أصل كل الخير.
* * *
وفي الآية الرّابعة ، يعتبر الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر أول خصوصيّة من خصائص المؤمنين ، حتّى أنّ إقامة الصلاة وأداء الزّكاة وإطاعة الله والنّبيّ صلىاللهعليهوآله جاءت بعدها ، وهذا يدل على أنّ هاتين الوظيفتين العظيمتين إذا لم تطبقاً ، فإنّ أساس العبادة والطّاعة وعبوديّة الله تتعرض للخطر.
يقول الله تعالى : (وَالْمُؤمِنُونَ والْمُؤمِنَاتُ بَعْضُهُمْ اوْلَياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطيعُونَ اللهَ ورَسُولَهُ اولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ انَّ اللهَ عَزيزٌ حَكِيمٌ).
وقد احْتُمِلَت عدّة أمور في تفسير جملة (بَعْضُهُمْ اوْلِياءُ بَعْضٍ) ، من جملتها أنّ هؤلاء منسجمون في الإيمان بالله ومباني الإسلام ـ والآخر هو أنّ أحدهم ينصر الآخر في امور الدين والدنيا ، والثّالث هو أنّ هؤلاء بالتّعليم والتّربية يخرجون الآخرين صوب درجات الكمال العالية.
ومن الواضح أنّ هذه التفسيرات الثّلاثة لا منافاة فيما بينها ، ويمكن أن تجتمع في مفهوم الآية ، لأنّ الولاية في الآية جاءت مطلقة فتشمل ارتباط المؤمنين ببعضهم في أبعادٍ مختلفة.
* * *