وفي الآية الخامسة وبعد ذكر التجارة المربحة التي يتّجر بها المؤمنون الحقيقيون مع الله ، أي الجهاد في سبيله ، حيث يشرون أنفسهم وأموالهم بالجنة الغالية ، وبعد بيان أنّ الله عزوجل يبارك لهم هذه المعاملة ويعدها فوزاً عظيماً ، يلخّص أوصاف هؤلاء في تسعة أمور ويقول : (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ والنَّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤمِنِينَ).
وفي الواقع فإنّ الأوصاف السّتة المذكورة أوّلاً ، إشارة إلى مراحل العبادة والطّاعة والعبوديّة في هؤلاء ، والأوصاف الثّلاثة الأخيرة (وهي الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وحفظ الحدود) إشارة إلى جهاد هؤلاء الاجتماعي في طريق إرساء مباني الحق والعدالة وإجراء الأحكام الإلهيّة ، وبعد هذه الأمور جاءت البشارة الإلهيّة لهم بشكل مطلق.
وبتعبير آخر ، فإنّ الأوصاف الستة الاولى ناظرة إلى علاقة الخلق بالخالق ، والثّلاثة الأخيرة ناظرة إلى علاقة الخلق بأنفسهم وهذه البشارة الّتي ذكرت في آخر الأمر تشمل سعادة الدّنيا وسعادة الآخرة معاً.
* * *
وفي الآية السّادسة ، إشارة إلى بُعدٍ آخر من هذه المسألة وهو البعد الحكومتي ، وبتعبير آخر تعتبر الآية الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر أحد وظائف الحكّام الإسلاميين المهمّة ، حيث يقول عزوجل :
(الَّذِينَ انْ مَّكَّنَّاهُمْ فِى الارْضِ أَقامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَامَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الامُورِ).
وفي الحقيقة فإنّ الوعد بنصر الله ، الوارد في الآية السّابقة لهذه الآية (ولَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) مختصة بمثل هؤلاء الأشخاص ، الذين إذا ما تسلموا زمام القدرة والحكم في الأرض فإنّهم مضافاً إلى أدائهم الصّلاة وحدهم ، يقيمونها أيضاً في كل مكان ، ويؤتون الزكاة لمستحقيها ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.