الإستقامة والصّمود ، ويقول : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُن مِّنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَايَفْقَهُونَ).
فغباء هؤلاء وجهلهم يكون من جهةٍ سبباً في مخالفتهم للمنطق والعقل وإصرارهم على روح العدوان فلا يفهمون إلّامنطق القوّة ، ومن جهة اخرى يكون جهلهم سبباً لضعفهم وعدم اقتدارهم في ميدان الحرب ، وذلك لأنّهم يفتقدون الهدف والمبرر الواقعي في حروبهم ، ومن هنا فإن بإمكان المؤمن الواحد أن يغلب عشرة منهم إذا ما استقام وصمد ، وبإمكان العشرين أن يغلبوا مائتين من الكفار.
يقول الراغب في مفرداته : التّحريض في الأصل بمعنى التّحريك نحو شيء بعد تزيينه وتسهيل طريق الوصول إليه عن طريق إزالة الموانع ـ وفي الحقيقة فإنّ الإيمان بالله والإعتقاد بيوم المعاد والأجر العظيم الذي أعدّهُ الله للمجاهدين والشّهداء في سبيل الله يزيل كل الموانع عن طريق جنود الإسلام ، ويهوّن عليهم هذا العمل الثقيل والصّعب جدّاً.
هذه الآية تُخطّيء كلّ حسابات الموازنة بين القوى الظّاهريّة والماديّة ، وتدل بوضوح على أنّ سلسلة من القوى المعنويّة موجودة عند المسلمين يمكنهم بالإتكاء عليها كسر شوكة جيش العدوّ المتفوّق صورياً بعدته وعدده عليهم ، وكسب المعركة لصالح المسلمين.
* * *
الآية السّادسة تحرض المؤمنين على الجهاد بطريق آخر ، بواسطة تشبيه الجهاد بالتّجارة المربحة الّتي توجب النّجاة من عذاب ألِيم ، والنصر في الدّنيا والآخرة ، يقول تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجارَةٍ تُنْجِيْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَليمٍ* تُؤمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ، وفي الآيات اللاحقة لهذه الآيات يَعد المؤمنين بدرجات عظيمة ، حيث يقول : (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوزُ الْعَظِيمُ* وَاخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤمِنِينَ).