ففي هذه الآيات يعتبر رأسمال هذه التّجارة المربحة في الدّنيا والآخرة مُركَّب من الإيمان والجهاد ، أي أنَ «العقيدة» و «الجهاد» هما ركنا هذه التّجارة ، ذلك الجهاد الذي يكون بالمال والنّفس معاً ، إذ إنّ إعداد الوسائل والمعدات العسكريّة اللازمة للنّصر لا يمكن إلّا بصرف الأموال ، والملفت للنّظر هنا هو أنّه لم يذكر أن نتيجة الجهاد هي المغفرة والرّحمة الإلهيّة والنِّعم الخالدة في الجنّة فقط ، وإنّما يذكر النّصر القريب في هذه الدّنيا ويعتبره أعزّ من آثاره الاخرى. (دققواجيداً).
والتّعبير بالتّجارة ، إشارة إلى نكتة أنّ الإنسان على أيّة حال له رأسمال ، وهذه الدّنيا كالمتجر يمكن استغلال رؤوس الأموال ، فيها وتشغيلها وتبديلها إلى رؤوس أموال خالدة وباقية ، وهذا لا يتمّ إلّابالتّعامل مع الوجود المقدسّ للباري تعالى ، الوجود الذي بيده كل مفاتيح الخير والسّعادة ، والتّجارة مع هذا الوجود مقترن على الدوام مع الكرامة والمواهب وأنواع النّعم.
كما أنّ النّكتة الجديرة بالذكر هنا هي أنّ المخاطب في هذه الآيات هم المؤمنون ، مع أنّها تدعوهم في نفس الوقت إلى الإيمان! والهدف من ذلك هو أنْ يرتقي هؤلاء المؤمنون من مراحل الإيمان الابتدائية والصُورية إلى المراحل العالية المقترنة بالجهاد والأعمال الصّالحة ، وذلك لأنّ الإيمان شجرة مثمرة تبدأ من شجيرة صغيرة حتّى تصير أغصانها عالية إلى عنان السّماء ، فتثمر أنواع الفضائل ومكارم الأخلاق ، وهذا يحتاج إلى طي مراحل تكامليّة مختلفة.
* * *
وفي الآيةالسّابعة ، نجد نفس مضمون الآية السّابقة ولكن في صورة جميلة أخرى ، فهي تصور المعاملة وكأن الله هو المشتري والمؤمن هو البائع ، والمتاع هو الأموال والأنفس ، والثمن هو الجنّة الخالدة ، وأسناد هذه المعاملة العظيمة المربحة ووثائقها ، ثلاثة كتب سماوية هي التّوراة والأنجيل والقرآن ، يقول تعالى :