كناية عن الإستعداد الذي يعتبر الصمود وحماية الثّغور من أوضح مصاديقه ، إذ إنَّ الجنود يحفظون دوابهم ووسائلهم ومعداتهم في ذلك المحل.
ولذا فإنّ بعض المفسرين فسرها بحفظ الخيل والدّواب المركوبة في الثغور فقط ، والإستعداد في مقابل العدو حتّى قالوا إنّ مفهومها الواسع يشمل الإستعداد لصناعة المعدات الحربية الحديثة ـ أعم من تلك التي يستفاد منها في حروب الجو أو الأرض أو البحر (١).
ولا شك في أنّ هذا لا يعني أنّ الآية الكريمة لا تشمل الحدود الثّقافيّة والعقائديّة ، فإنّ مفهوم (رابطوا) واسعٌ إلى درجة أنّه يشمل كلّ استعداد للدّفاع مقابل العدو ، ولذا شبّهت بعض الروايات الإسلاميّة ، العلماء بحراس الحدود حيث يقف هؤلاء صفّاً بوجه جنود إبليس ، ويحولون دون هجومهم على الأشخاص الفاقدين لقدرة الدفاع عن أنفسهم ، يقول الإمام الصّادق عليهالسلام : «عُلَماءُ شيعتِنا مُرابطون فِي الثّغر الّذي يلي إبليسَ وعفاريتَه ويمنَعونَهُ عن الخروجِ على ضعفاءِ شِيعَتنا وعن أنْ يَسَّلطَ عليهم إبليس» (٢).
حتّى أنّه ورد في بعض الرّوايات عن الإمام عليّ عليهالسلام تفسير جملة «رابطوا» بانتظار الصّلوات الواحدة بعد الاخرى (٣) ، وهو في الحقيقة كالإستعداد في مقابل جنود الشّيطان (تأملوا جيداً).
وفي الأمر الرّابع ، يأمرهم بالتّقوى ، إشارة إلى أنّ الصّبر والإستقامة والمرابطة لابدّ أن تكون جميعاً منسجمة ومعجونة بالتّقوى والإخلاص ، وأن تكون منزهة عن كلّ رياء وتظاهر.
* * *
وفي الآية التّاسعة ، يأمرهم عزوجل بأن يقاتلوا على جبهتين ويغلظوا في القتال ، جبهة الأعداء الدّاخليين والعناصر المخربّة الّذين تغلغلوا في صفوف المسلمين والّذين يستغلون
__________________
(١) تفسير المراغي ، ج ٤ ، ص ١٧٢.
(٢) بحار الأنوار ، ج ٢ ، ص ٥.
(٣) تفسير مجمع البيان ، ج ١ و ٢ ، ص ٥٦٢.