جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
والمهم هنا هو أنّ هذه الآية في سورة الأنفال وردت بعد آية شريفة تأمر المسلمين بالإستعداد الدّائم وتهيئة كافة أنواع القوى لإخافة الأعداء.
أي أنّ الهدف الأصلي ليس هو الحرب ، بل من أجل تقوية دعائم الصّلح أيضاً ، إذ لو لم يكن المسلمون مستعدين تماماً ، لسيطرت الروح الاستعمارية والتسلط على تفكير العدو.
والنّكتة المهمّة الاخرى هنا هي استخدام لفظ «جَنَحُوا» المأخوذة من مادة (جَناح) بمعنى الخضوع والرّغبة والتّحرك نحو الشيء ، ومفهومها التّرغيب في قبول حتّى المحادثات الأوليّة للصّلح.
والتّعبير بـ «توكّل على الله» قد يكون إشارة إلى أنّ بعض المسلمين أخذ يروّج أنّ رغبة العدو في الصّلح إنّما هي خدعة منهم ، ولذا خالفوا ذلك ، أو على الأقل دبّت فيهم بعض الوساوس.
فالقرآن يخاطب الرّسول الكريم ويأمره بعدم الأخذ بآراء هؤلاء ووساوسهم إذا ما رغب العدو في الصّلح ، وإنّما عليه أن يتوكل على الله ويجنح للسّلم مع رعاية موازين الإحتياط اللازم.
فهذه الآية من الآيات التي توصي الحكومات الإسلاميّة باتخاذ الرّغبة في الصّلح أصلاً أساسياً في سياساتها ، وما قاله البعض من أنّ هذه الآية نسخت بآيات الجهاد (١) لا أساس له ، إذ لا دليل عليه ، حيث لا تنافي بين آيات الجهاد وهذه الآية ، فلا ضرورة للقول بالنسخ.
* * *
وفي الآية الثّالثة إشارة إلى مجموعة من الكفّار من أنصار الحرب ، حيث تقول : (فَانِ اعْتَزلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَالْقَوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبيِلاً).
وتعبير (فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) تأكيد كاملٌ على قبول دعوة الصّلح التي تقدم
__________________
(١) راجع تفسير الكبير ، ج ١٥ ، ص ١٨٧.