ويتضح لنا من سبب النزول الوارد في بعض التفاسير للآيات التي تأتي بعدها ـ وهو أنّ جماعة من المنافقين لما شعروا بضعف موقفهم جاءوا إلى الرسول صلىاللهعليهوآله وأقسموا على تسليمهم لأوامر النّبي صلىاللهعليهوآله ـ ومن الواضح أنّ الآية أعلاه تتحدث عن المجموعة المقابلة لهذه المجموعة ، أي المؤمنين ، وتقول : إنّ التسليم المطلق لابدّ أن يكون أمام قوانين الله تعالى ، ولا عبرة بأي قانون غيره ، وإنْ كان المراد بالآية مسألة القضاء والفصل بين المنازعات فكذلك أنّها تدلل على ما قصدناه ، لإنّه وكما سبق وأن قلنا : إنّ مسألة التحكيم تقوم على أساس القانون أيضاً ، وبناءً على ذلك فإنّ التسليم لقضاء الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوآله يعني التسليم ، التسليم أمام القانون الإلهي ، ولهذا نجد أنّ القضاة دائماً عندما يصدرون أحكامهم ، يستندون في ذلك إلى مادة واحدة أو أكثر من المواد القانونية ، يعني التسليم ، فعلى المؤمنين الإستناد إلى مواد القانون الإلهي فقط.
* * *
وقد وردت الآية التاسعة بعد أوامر إلهيّة عشرة جاءت قبلها (بخصوص الشرك ، والإحسان إلى الوالدين ، والكف عن قتل الاولاد ـ وبشكل عام ـ إهراق الدماء البريئة ، والأعمال القبيحة الاخرى) إذ يقول تعالى في نهاية هذه الطائفة من الأحكام : (وَأَنَّ هَذَا صِراطِى مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَاتَتَبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُم وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
ومن هذا التعبير يتضح لنا جيداً أنّ «الصراط المستقيم» يعني حكم الله تعالى وقانونه وأوامره ، وكل ما هو دونه يعدّ من الطرق المعوجّة والمنحرفة والتي تبعد الناس عن صراط الله المستقيم ، ويستفاد من هذا التعبير أيضاً ، أن اتباع الطرق الاخرى تؤدي إلى بث التفرقة والتشتت والاختلاف ، والدليل على ذلك واضح أيضاً ، لأنّ رأي النّاس وحتى العلماء الكبار في تشخيص منافع ومفاسد الأعمال يختلف اختلافاً كبيراً عن بعضهم البعض ، ومتى ما احيلت مسألة تشريع القوانين إلى النّاس ، فإنّ الاختلاف والتشتت سوف يحكمان