وقوله ـ تعالى ـ : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ)
قيل : كتب الله عليكم ما ذكر مما مرّ في هؤلاء الإناث (١).
وقال الكسائي (٢) : نصب كتاب الله على قوله : حرم كذا وأحل كذا ، كتاب الله عليكم ؛ على الأمر ؛ يقول : عليكم كتاب الله ، ودونكم كتاب الله ، اتبعوا كتاب الله ، في نحو هذا المعنى.
وقيل : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) يقول : هذا حرام الله عليكم في الكتاب (٣).
وقيل : هذا التحريم من النكاح قضاء الله عليكم في الكتاب (٤).
وقوله ـ جل وعزّ ـ : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ)(٥) اختلف فيه :
قيل : (ما وَراءَ ذلِكُمْ) أي : ما سوى ذلكم ، وهو قول ابن عباس ، رضي الله عنه (٦) ؛ دليله قوله : (وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ) [البقرة : ٩١] أي : سواه.
وقيل : (ما وَراءَ ذلِكُمْ) أي : ما قبله وأمامه ، وهو كقوله : (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ) [الكهف : ٧٩] وهو كان أمامهم.
وقيل : (وَراءَ ذلِكُمْ) أي : بعد ذلك وخلفه ، وهو ظاهر.
ومن قال سوى ذلك يقول : أحل لكم ما سوى ذلكم الذي حرم عليكم ما لم يسم لكم.
ومن قال (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) : أمام ذلك وقبله ، وهو ما ذكر قبل هذه المحرمات : قوله : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) [النساء : ٣].
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٨ / ١٧٠) (٩٠٢٠) عن ابن زيد.
(٢) على بن حمزة بن عبد الله بن عثمان الإمام أبو الحسن الكسائي إمام الكوفيين في النحو واللغة وأحد القراء السبعة المشهورين ، وهو من أهل الكوفة ، واستوطن بغداد توفي سنة تسع وثمانين ومائة وقيل غير ذلك ينظر : بغية الوعاة للسيوطي (٢ / ١٦٣ ـ ١٦٤).
(٣) أخرجه ابن جرير (٨ / ١٧٠) (٩٠١٥) عن إبراهيم النخعي ، (٩٠٢٠) عن ابن زيد.
(٤) انظر : البحر المحيط لأبي حيان (٣ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣).
(٥) قال القرطبي (٥ / ٨٢) : روى مسلم وغيره عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها» ، وقال ابن شهاب : فنرى خالة أبيها وعمة أبيها بتلك المنزلة ، وقد قيل : إن تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها متلقى من الآية نفسها ؛ لأن الله ـ تعالى ـ حرم الجمع بين الأختين ، والجمع بين المرأة وعمتها في معنى الجمع بين الأختين ؛ أو لأن الخالة في معنى الوالدة ، والعمة في معنى الوالد. والصحيح الأول ؛ لأن الكتاب والسنة كالشيء الواحد ؛ فكأنه قال : أحللت لكم ما وراء ما ذكرنا في الكتاب ، وما وراء ما أكملت به البيان على لسان محمد عليهالسلام.
(٦) انظر : البحر المحيط لأبي حيان (٣ / ٢٢٣ ـ ٢٢٤).