ومن قال : (ما وَراءَ) : بعد ، أي : ما بعد الأربعة الأصناف المحرمة : المحرمات بالنسب ، والمحرمات بالرضاعة ، والمحرمات بالصهر ، والمحرمات بالجمع ، يقول : أحل لكم ما بعد هؤلاء الأربعة الأصناف.
وقيل في قوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) : هن المتعففات من الإماء (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) من الإماء المسافحات الزانيات (١) ، كأنه قال : فاستمتعوا بالمتعففات منهن ولا تستمتعوا بالزانيات ؛ لأنهن يلبسن عليكم النسب ، وهو كقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) [النور : ٣٣].
وقوله : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ)(٢) بين الله ـ تعالى ـ أن النكاح لا يكون إلا ببدل يكون مالا ؛ لأنه قال : (بِأَمْوالِكُمْ).
وفي الآية دلالة ـ أيضا ـ على أن ما يملك ولا يقع عليه اسم المال لا يكفينّ مهرا ؛ لأنه قال : (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ) ولا يسمّى الدانق (٣) والحبة (٤) : مالا ، ولو كانت الحبة مالا كانت (٥) التمرة مالا ، فثبت بما وصفنا من دلالة الآية أن المهور لا تكون إلا من الأملاك.
فإن قيل : روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لرجل : «قد زوّجتكها بما معك من القرآن» (٦) ، قيل : تأويله عندنا ـ والله أعلم ـ : «بما معك من القرآن» أي : من أجل ما معك من القرآن ، ولا يجوز أن تكون السورة مهرا بدليل الكتاب ؛ لأنها ليست بمال ، وكذلك كل شيء ليس بمال ولا يكون له قيمة ، فلا يجوز أن يكون مهرا ، وكذلك قوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) [البقرة : ٢٣٧] يدل على أن السورة وما لا يتمول لا يكون مهرا.
وروي عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ تزوج على وزن نواة من
__________________
(١) أخرجه ابن جرير بمعناه (٨ / ١٦٠) (٨٩٩٨) عن ابن عباس ، و (٨٩٩٩) عن مجاهد ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٤٨) وزاد نسبته لسعيد بن منصور وابن المنذر.
(٢) قال القرطبي (٥ / ٨٤) : أباح الله ـ تعالى ـ الفروج بالأموال ولم يحصل ، فوجب إذا حصل بغير المال ألا تقع الإباحة به ؛ لأنها على غير الشرط المأذون فيه ، كما لو عقد على خمر أو خنزير أو ما لا يصح تملكه.
(٣) الدانق : من الأوزان. هو سدس الدرهم والدينار.
ينظر : لسان العرب (٢ / ١٤٣٣) (دنق).
(٤) الحبة من الشيء : القطعة منه.
ينظر : لسان العرب (٢ / ٧٤٥) (حبب).
(٥) في ب : وكانت.
(٦) أخرجه البخاري (١٠ / ٢٥٧) كتاب النكاح : باب التزويج على القرآن وبغير صداق (٥١٤٩) ، ومسلم (٢ / ١٠٤٠ ـ ١٠٤١) كتاب النكاح : باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد ، (١٤٢٥).