على أن أهل العلم أجمعوا أن النكاح لا يكون إلا ببدل ، وأنه خالف سائر الأملاك التي توهب (١) ويتصدق بها بغير بدل ، وكل يجعل لذلك حدّا ، وإن اختلفوا في ذلك المقدر والحد ، وكل يقول ـ أيضا ـ : إن التافه لا يكون مهرا ، فذهب أصحابنا أن الفروج لما لم تملك إلا ببدل ، لم يجعل البدل إلا ما أجمعوا عليه ، وهو عشرة دراهم ؛ إذ كان النكاح مخصوصا ألا يملك إلا ببدل دون غيره من الأملاك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ)(٢) قيل : متناكحين غير زانين بكل زانية (٣).
وقيل : (بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ) أي : عفائف للفروج ، وغير مسافحين في العلانية بالزنا (٤) ؛ وكأنه أمر ـ عزوجل ـ ابتغاء النكاح بالأموال ، ونهي عن الاستمتاع بغير مال.
وقيل : المسافح الذي يزني بكل امرأة يجدها (٥) ، والمسافحة كذلك تزنى بكل أحد.
والمتخذات أخدان : هن اللاتي لا يزنين إلا بأخدانهن.
والسفاح من الفعل : ما ظهر وعلا.
مسألة في المتعة :
وقوله (٦) ـ تعالى ـ : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ)
ذهب قوم إلى جواز المتعة (٧) بهذه (٨) الآية ؛ يقولون : ذكر الاستمتاع بهن ولم يذكر
__________________
(١) في ب : يوهب.
(٢) قال القرطبي (٥ / ٨٤) : إن قوله : (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) [النساء : ٢٤] يحتمل وجهين : أحدهما :
ما ذكرناه وهو الإحصان بعقد النكاح ، تقديره : اطلبوا منافع البضع بأموالكم على وجه النكاح لا على وجه السفاح ؛ فيكون للآية على هذا الوجه عموم. ويحتمل أن يقال : «محصنين» أي : الإحصان صفة لهن ، ومعناه : لتزوجوهن على شرط الإحصان فيهن ؛ والوجه الأول أولى ؛ لأنه متى أمكن جري الآية على عمومها والتعلق بمقتضاها فهو أولى ؛ ولأن مقتضى الوجه الثاني أن المسافحات لا يحل التزوج بهن ، وذلك خلاف الإجماع.
(٣) أخرجه ابن جرير (٨ / ١٧٤ ـ ١٧٥) (٩٠٢٥) (٩٠٢٦) عن مجاهد ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٤٩) وزاد نسبته لابن المنذر وعبد بن حميد وابن أبي حاتم.
(٤) انظر : البحر لأبي حيان (٣ / ٢٢٥).
(٥) انظر : البحر لأبي حيان (٣ / ٢٢٥).
(٦) في ب : قوله.
(٧) قال القرطبي (٥ / ٨٦) : وقال ابن العربي : وأما متعة النساء فهي من غرائب الشريعة ؛ لأنها أبيحت في صدر الإسلام ثم حرمت يوم خيبر ، ثم أبيحت في غزوة أوطاس ، ثم حرمت بعد ذلك ، واستقر الأمر على التحريم ، وليس لها أخت في الشريعة إلا مسألة القبلة ، لأن النسخ طرأ عليها مرتين ، ثم استقرت بعد ذلك. وقال غيره ممن جمع طرق الأحاديث فيها : إنها تقتضي التحليل والتحريم سبع مرات ؛ فروى ابن أبي عمرة أنها كانت في صدر الإسلام. وروى سلمة بن الأكوع أنها كانت عام أوطاس. ومن رواية عليّ تحريمها يوم خيبر. ومن رواية الربيع بن سبرة إباحتها يوم الفتح.
(٨) في ب : هذه.