الإبدال والاضطرار ، إذا عدم نكاح غيره.
وبعد : فإنه لم يجعل في شيء من الحل والحرمة المال ؛ بل قال ـ تعالى ـ : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً ...) الآية [النور : ٣٣] ؛ صير العدم شرط الترك ، وله قد يفسخ ، لا أنه شرط الإباحة ، فكذلك أمر نكاح الإماء.
والثالث : إذ الأصل في إضافة الحل والحرمة إلى حال أنه لا يوجب ضد ذلك في غير تلك الحال ؛ بل هو في غيرها موقوف على قيام الدليل من ذلك المضاف إليه أو غيره ، لا أنه يوجب ذلك ؛ دليل ذلك أمور النكاح ؛ قال الله ـ تعالى ـ لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَ) [الأحزاب : ٥٠] لا أنه لو لم يؤتهن الأجور لم يحللن ، وكذلك قوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) [المائدة : ٥] وقال ـ عزوجل ـ : (فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ ...)(١) الآية ؛ لأن الحدّ لا يجب لو لم يحصن ، وقال الله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ) لا على جعل الإيمان شرطا ، وقال [الله](٢) ـ عزوجل ـ : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) [النساء : ٣] لأن الأمة لا تحل إذا لم يخف العدل في الحرائر ، وغير ذلك مما يكثر ؛ إذ ليس في إضافة الحل إلى حال قطعه عن غيره ، فمثله أمر النكاح فيما نحن فيه.
__________________
(١) قال القاسمي في محاسن التأويل (٥ / ١٠٨ ـ ١٠٩) : قال ابن كثير : مذهب الجمهور أن الأمة إذا زنت فعليها خمسون جلدة ، سواء كانت مسلمة أو كافرة ، مزوجة أو بكرا ، مع أن مفهوم الآية يقتضي أنه لا حد على غير المحصنة ممن زنى من الإماء ، وقد اختلفت أجوبتهم عن ذلك.
فأما الجمهور فقالوا : لا شك أن المنطوق مقدم على المفهوم ، وقد وردت أحاديث عامة في إقامة الحد على الإماء ، فقدمناها على مفهوم الآية ، فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه خطب فقال : يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد من أحصن منهن ، ومن لم يحصن : فإن أمة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم زنت فأمرني أن أجلدها ، فإذا هي حديث عهد بنفاس ، فخشيت إن أنا جلدتها ، أن أقتلها ، فذكرت ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : أحسنت : اتركها حتى تماثل ، وعند عبد الله بن أحمد عن غير أبيه «فإذا تعافت من نفاسها فاجلدها خمسين» ، وعن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ، ثم إن زنت الثانية فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر ، ولمسلم : إذا زنت ثلاثا ثم ليبعها في الرابعة ، وروى مالك عن عبد الله بن عياش المخزومي قال : أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة خمسين خمسين ، في الزنى.
قال القرطبي (٥ / ٩٥) : قلت : ظهر المؤمن حمى لا يستباح إلا بيقين ، ولا يقين مع الاختلاف ، لو لا ما جاء في صحيح السنة من الجلد في ذلك ، والله أعلم. وقال أبو ثور ـ فيما ذكر ابن المنذر ـ : وإن كانوا اختلفوا في رجمها فإنهما يرجمان إذا كانا محصنين ، وإن كان إجماع فالإجماع أولى.
(٢) سقط من ب.