ثم احتج بعضهم بالآيات التي فيها : (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) [المجادلة : ٤] ، (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) [النساء : ٩٢] ، لتوجيه ذلك الحق هاهنا وقد دخل جواب هذا فيما قلنا : إن الحكم في غيره موقوف على الدليل فيه منعنا لا بهذا ، مع ما بينا دليل ما نحن فيه ليس بشرط ؛ ألا ترى أنه ذكر شرط الإيمان في المحصنات؟! ومن لم يصر شرطا وقد صار في الكفارات ونحو ذلك ؛ فمثله ما نحن فيه.
ثم الفصل بين الأمرين يقع من وجوه :
أحدها : أن (١) تلك بحق الإبدال والاضطرار ؛ دليله : زوال حكمه عند الارتفاع وفي هذا إلا ألا يرتفع لنكاح الحرة ؛ فلذلك اختلف الأمران ، ولو جعلنا الأمر به في حال أو الإشارة بالحل إليها دليلا على النهي عن ذلك كان نهيا عن نكاح الإماء في حال طول الحرائر ؛ فلا يحتمل أن يكون النهي مبطلا للفعل لأوجه :
أحدها : أن المعنى الذي له يقع النهي كان معقولا ، وبمثله لا يحتمل الفساد ، وذلك يخرج على وجهين :
أحدهما : أن يرق ولده.
والثاني : أن تخالط امرأته الرجال ، وذلك بعض ما يشين الرجل.
ثم كان نكاح الزانية مع النهي عن ذلك يجوز ، ومع الأمر بطلاقها ومعلوم أن ذلك أعظم في الشين (٢) ؛ إذ قد ظهر به ما يخافه في المملوكة ، ويصير ولده مشتوما بأمه ما هو أوخش في العقول من كل رق وعبودة ويقال له : يا بن الزانية ، وذلك ـ أيضا ـ تلبيس النسب وشبهه ، ثم لم يجب به الفساد ؛ فأمر المملوكة بالأحرى.
وأيضا لم يختلف على نهي الحرمة عن نكاح العبيد ، وله يفرق الأولياء ، ويصرف حق نسب (٣) الآباء إلى الموالى ؛ إذ معلوم أن الطعن عليهن في الخلاف قبح منه عليهم ، ثم لم يمنع ذلك جواز النكاح ؛ فمثله ما نحن فيه.
وأيضا إن الحرمة على وجهين : حرمة لنفس المنكوحة أو الاستمتاع وحرمة لحق النكاح ، وكل محرمة لذاتها فهي لا تحل بملك اليمين ولا بملك النكاح ، وما كانت الحرمة بحيث النكاح تحل ، فإذا كانت الأمة تحل بملك اليمين ثبت أن حرمتها ليست لنفسها ولا للاستمتاع فهي تحل بملك اليمين ، بل حلها في الأصل بملك النكاح أحق ؛ إذ
__________________
(١) في ب : لأن.
(٢) الشين : خلاف الزين ، وهو القبيح. ينظر لسان العرب (٤ / ٢٣٨١) (شين).
(٣) في ب : بسبب.