أُوتُوا الْكِتابَ) [المائدة : ٥] ثم قال : إذا كان له طول محصنة كتابية لم يحل له نكاح الأمة المؤمنة ، وقد أخبر ـ عزوجل ـ أن الأمة المؤمنة خير من مشركة ، وهو يقول : بل المشركة خير من الأمة ؛ فهذا يدل على اضطراره في قوله على مذهبنا ما قلنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) الآية [البقرة : ٢١١] ، على المشركات خاصة من غير الكتابيات عندنا ؛ دليله : قوله ـ تعالى ـ : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ ...) [البقرة : ١٠٥] ذكر المشركات وذكر الكتابيات ؛ دل هذا أن المشركات في هذه الآية غير الكتابيات ، وقد ذكرنا الوجه في ذلك في صدر السورة ما يغني [عن] ذكره في هذا الموضع.
فإن (١) كان ما ذكرنا ـ حل له أن يتزوج كتابية محصنة كانت أو أمة ، وقد أقمنا الدليل على أن ليس في ذكر الإيمان فيهن دليل جعله شرطا في جواز نكاحهن ؛ على [ما لم يكن في ذكر الإيمان](٢) في المحصنات من المؤمنات دليل جعل الإيمان فيهن شرطا.
وقوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ) ، أي : هو أعلم بحقيقة إيمانهن وأنتم لا تعلمون حقيقته (٣) ، وإن كان أثبت لنا علم الظاهر بقوله ـ تعالى ـ : (فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) [الممتحنة : ١٠] أمرنا بالعمل بعلم الظاهر ، لا بعلم الحقيقة بقوله : (اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) [الممتحنة : ١٠] ؛ فهذا يدل على أن الإيمان هو عمل القلب ، لا عمل اللسان ؛ لأنه لو كان عمل اللسان لكان يعلم حقيقته (٤) كل أحد ؛ فظهر أنه ما وصفنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) قيل فيه وجوه :
بعضكم من بعض في الولايات [في الدين](٥) ، كقوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) [التوبة : ٧١].
وقيل : بعضهم من بعض في النسب ؛ إذ كل منهم من أولاد آدم (٦).
ويحتمل : بعضكم من بعض قبل الإسلام.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ)
__________________
(١) في ب : فإذا.
(٢) بدل ما بين المعقوفين في أ : ما يذكر الإيمان.
(٣) في ب : حقيقة.
(٤) في ب : حقيقة.
(٥) في ب : والدين.
(٦) ينظر : البحر المحيط لأبي حيان (٣ / ٢٣١ ـ ٢٣٢).