الجيران ، وقد ذكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم حق الجار ، وأمر بمسامحته.
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورّثه» (١) وفي بعض الأخبار : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليكرم جاره» (٢) ، وفي بعضها : «ما آمن من أمسى شبعانا وجاره جائع» (٣).
وإذا بيع بجنبه دار أو أرض ، [فله] أن يأخذها بالشفعة ؛ لما روي عن عمرو بن
__________________
(٨) أجمع أهل العلم على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم فيما يجمع من أرض ، أو دار ، أو حائط ، ولم يخالف في ذلك إلا الأصم ، وابن علية ؛ فإنهما أبطلاها ؛ ردا للإجماع ، وتمسكا بظاهر قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا يحل مال امرئ مسلم ، إلا بطيب نفس منه» ، وذهابا منهما إلى أن في إثبات الشفعة إضرارا بأرباب الأملاك ؛ لأن المشتري إذا علم أنه يؤخذ منه إذا ابتاعه ـ لم يبتعه ؛ ويتقاعد الشريك عن الشراء ؛ فيستضر المالك. وهذا منهما ليس بشيء ؛ لأن ما روي في الشفعة ـ وإن كان آحادا ـ فالعمل به مستفيض ، يصير الخبر كالمتواتر ، ثم الإجماع عليه منعقد ، والعلم بشرعيته واقع ، وليس في قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا يحل مال امرئ مسلم ...» إلخ ـ ما يمنع من الشفعة ؛ لأن المشتري يعاوض عليها ؛ فيصل إلى حقّه ؛ فلا استحلال ، ولا شيء.
فأما قولهما : إن في إثباتها إضرارا بأرباب الأملاك» ـ فيجاب عنه بأنا نشاهد الشركاء يبيعون ، ولا يعدمون من يشتري منهم غير شركائهم ، ولم يمنعهم من الشراء استحقاق الشفعة ، وبأنه يمكنه إذا لحقته بذلك مشقة أن يقاسم ؛ فيسقط استحقاق الشفعة.
هذا ، ولما كانت الشفعة ثابتة على خلاف الأصل ؛ إذ هي انتزاع ملك المشتري بغير رضاه ، وإجبار له على المعاوضة ، لكن الشرع أثبتها ؛ لمصلحة راجحة ؛ فلا تثبت إلا إذا كان الملك مشاعا غير مقسوم. فأما الجار فلا شفعة له ، وبه قال كثير من الصحابة والتابعين : ، كعمر ، وعثمان ، وعمر بن عبد العزيز ، وسعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار ، والزهري ، ويحيى الأنصاري ، ومن الفقهاء : مالك ، والأوزاعي ، وأبو ثور.
وقال أبو حنيفة وصاحباه : يقدم الشريك ؛ فإن لم يكن ـ وكان الطريق مشتركا : كدرب لا ينفذ ـ ثبتت الشفعة لجميع أهل الدرب : الأقرب فالأقرب ؛ فإن لم يأخذوا ـ ثبتت للملاصق من درب آخر خاصة.
ينظر : تبيين الحقائق (٥ / ٢٥٢) ، حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير (٣ / ٤٧٤) ، نهاية المحتاج للرملي (٥ / ١٩٥) ، المغني لابن قدامة (٥ / ٤٦١) منتهى الإرادات (١ / ٥٢٧) ، المقنع (٢ / ٢٥٨).
(١) أخرجه البخاري (١٠ / ٤٥٥) كتاب الأدب : باب الوصاية بالجار (٦٠١٥) ومسلم (٤ / ٢٠٢٥) كتاب البر والصلة : باب الوصية بالجار (١٤١ ـ ٢٦٢٥).
(٢) أخرجه مالك (٢ / ٩٢٩) في كتاب صفة النبي صلىاللهعليهوسلم : باب جامع ما جاء في الطعام والشراب (٢٢) والبخاري (١٢ / ٥٩) كتاب الأدب : باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره (٦٠١٩) ، (١٢ / ١٦٤) (٦١٣٥) (٦١٣٦).
ومسلم (٣ / ١٣٥٣) في اللقطة : باب الضيافة ونحوها (١٤ ، ١٥ ـ ٤٨).
(٣) أخرجه أبو يعلى في مسنده (٥ / ٩٢) (٢٦٩٩) بلفظ : «ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه» ، والبخاري في التاريخ الكبير (٥ / ١٩٥ ـ ١٩٦) ، والخطيب في التاريخ (١٠ / ٣٩١ ـ ٣٩٢).
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٨ / ١٧٠) باب : فيمن يشبع وجاره جائع ، وقال : رواه الطبراني وأبو يعلى ورجاله ثقات ، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (٣ / ٣٥٨) باب : ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع ، وقال : رواه الطبراني وأبو يعلى ورواته ثقات.