الأصنام ؛ والأوثان يعبدون الشيطان ؛ لأن الشيطان هو الذي يدعوهم إلى عبادتهم الأصنام ؛ فكأنهم عبدوه ؛ ألا ترى أن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ قال : (يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ) [مريم : ٤٤] : جعل عبادة الصنم عبادة للشيطان (١) ؛ حيث قال له : (لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ) ؛ فدل أن عبادتهم الأوثان عبادة للشيطان ، وبالله العصمة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مَرِيداً) ، قال ابن عباس : المريد : هو العاتى (٢).
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَعَنَهُ اللهُ)
اللعنة : هي (٣) الإبعاد من رحمة الله ، فسمي : ملعونا ؛ لأنه مبعد من رحمة الله ، مطرود منها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً).
إنه ـ لعنه الله ـ وإن قطع القول فيه : لأتخذن من كذا ، قطعا ـ فهو ظن في الحقيقة ؛ ألا ترى أنه قال ـ تعالى ـ في آية أخرى : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) [سبأ : ٢٠] ؛ دل أن ما قاله ، قاله ظنّا ، لكنه خرج مقطوعا محققا ، ولا قوة إلا بالله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (نَصِيباً مَفْرُوضاً) ، أي : مبينا معلوما ، والنصيب المفروض هو ما ذكر : (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ ...) إلى آخر ما ذكر (مَفْرُوضاً) ، أي : مبينا : من يطيعه ومن لا يطيعه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) الآية.
قيل : هذا إخبار عن الله ـ تعالى ـ عباده عن صنيع اللعين ؛ ليكونوا على حذر منه.
ثم قوله : (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) ـ ليس على حقيقة (٤) الإضلال ؛ لأنه لا يقدر أن يضل أحدا ، لكنه يدعو إلى الضلال ويزين عليهم طريقه ، ويلبس عليهم طريق الهدى ؛ فذلك معنى إضافة الإضلال إليه ؛ وإلا لم يملك إضلال أحد في الحقيقة ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ ...) الآية [إبراهيم : ٢٢]. ثم إذا ضلوا بدعائه إلى ذلك وتزيينه عليهم سبيله ـ يمنيهم عند ذلك ؛ حتى يتمنوا أشياء ؛ كقوله (٥) : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ ...) الآية [الأحقاف : ١١] ، وكقوله (٦) ـ تعالى ـ
__________________
(١) في ب : الشيطان.
(٢) ذكره البغوي في تفسيره (١ / ٤٨١) ، وبمعناه ذكره ابن عادل في اللباب (٧ / ٢٢).
(٣) في ب : هو.
(٤) في ب : حقيقته.
(٥) في ب : كقولهم.
(٦) في ب : وقوله.