(وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ) [البقرة : ١١١] ونحو ذلك من الأماني ، وذلك مما يمنيهم الشيطان ، لعنة الله عليه.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) ، يعني : عن الدين ، (وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) أن يصيبوا خيرا لا محالة ؛ ليأمنوا.
وفي حرف ابن مسعود : «ولأعدنهم ولأمنينهم ولأحرمن عليهم الأنعام ولآمرنهم فليبدلن خلقك ولآمرنهم فليبتكن».
وقوله : (فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ)
فجعلوها نحرا للأوثان والأصنام التي كانوا يعبدونها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ)
يحتمل هذا وجهين ، سوى ما قال أهل التأويل :
أحدهما : أن الله ـ تعالى ـ خلق هذا الخلق ؛ ليأمرهم بالتوحيد ، وليجعلوا عبادتهم له ، لا يعبدون دون الله غيره ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. ما أُرِيدُ مِنْهُمْ ...) الآية [الذاريات : ٥٥ ـ ٥٦] ؛ فهو دعاهم (١) أن يجعلوا عبادتهم لغير الله ، وهو ما قيل في قوله ـ عزوجل ـ : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) [الروم : ٣٠] ، قيل : لدين الله ؛ فعلى ذلك يحتمل قوله : (فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) ، أي : عن الذي كان خلقه إياهم لذلك ، والله أعلم.
والثاني : أنه ـ عزوجل ـ خلق الأنعام والبهائم لمنافعهم ، وسخرها لهم ، فهم حرموها على أنفسهم ، وجعلوها للأوثان والأصنام : كالبحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام ؛ منعوا منافعها التي خلقها لهم عن أنفسهم ، وذلك تغيير (٢) ما خلق الله لهم ، والله ـ تعالى ـ أعلم.
وأما أهل التأويل فإنهم قالوا غير الذي ذكرنا :
قال بعضهم : قوله : (فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) : الإخصاء ، وهو قول ابن عباس ، رضي الله عنه (٣).
وقال آخرون : هو دين الله (٤).
__________________
(١) في ب : دعاؤهم.
(٢) في ب : تغير.
(٣) أخرجه ابن جرير (٩ / ٢١٥ ـ ٢١٧) (١٠٤٤٨ ، ١٠٤٥١ ، ١٠٤٦٠) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٩٥) ، وزاد نسبته لابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد.
(٤) أخرجه ابن جرير (٩ / ٢١٨ ـ ٢٢٠) (١٠٤٦٣ ـ ١٠٤٦٧) ، (١٠٤٨١) ، عن إبراهيم ، (١٠٤٦٨ ـ