وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا).
[دل](١) هذا على أن النهي في قوله : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) [المائدة : ١] أي : أخذ الصيد واصطياده في الإحرام ، لا أكله ، وهو إباحة ما حظر عليهم بالإحرام ، وإن كان ظاهره أمرا ، ومعناه : فإذا حللتم لكم أن تصطادوا.
وأصله : أن كل أمر خرج على أثر محظور فهو أمر إباحة وإطلاق ذلك المحظور المحرم ، لا أمر إلزام وإيجاب ؛ من نحو قوله ـ تعالى ـ : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) [الجمعة : ٩] ، ثم قال : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) [الجمعة : ١٠] ، وهو المحظور المتقدم ، وقوله ـ تعالى ـ : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ) [الأحزاب : ٥٣] ، ثم قال ـ عزوجل ـ : (وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا) [الأحزاب : ٥٣] أمر إطلاق وإباحة ما حظر عليهم ، ومثله كثير في القرآن مما (٢) يكثر ذكره.
وفي حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ في قوله : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) : «ولا تأموا» (٣) ، وكذلك في حرفه ؛ «فأموا صعيدا طيبا».
وقيل في قوله ـ تعالى ـ : (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً) : حجهم (٤) ؛ فلا يقبل عنهم حتى يسلموا ؛ فنهى الله ـ تعالى ـ رسوله عن قتالهم.
وقال بعضهم : إن الآية نزلت في رجل من أهل اليمامة يقال له : شريح ، وذلك أنه أتى المدينة ، فدخل على النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : أنت محمد النبي؟ فقال : «نعم» ، فقال : إلام تدعو؟ قال : «أدعوا إلى أن تشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّي [محمّد](٥) رسول الله» ، فقال شريح : يا محمد ، هذا شرط شديد ، وإن لي أمراء خلفي أرجع إليهم ؛ فأعرض عليهم ما اشترطت عليّ ، وأستأمرهم في ذلك ، فإن أقبلوا أقبلت ، وإن أدبروا أدبرت فكنت معهم ، ثم انصرف خارجا من عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلما خرج ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لقد خرج من عندي بعقبى غادر ، ولقد دخل علىّ بوجه كافر ، وما الرّجل بمسلم» فمرّ شريح
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) في أ : ما.
(٣) وقرأ عبد الله ومن تبعه : «ولا آمّي البيت» : بحذف النون ، وإضافة اسم الفاعل إلى معموله. و «البيت» نصب على المفعول به ب «آمّين» أي : قاصدين البيت ، وليس ظرفا.
(٤) قاله ابن عباس ، أخرجه عنه الطبري (٩ / ٤٨١) رقم (١٠٩٨١).
(٥) سقط من ب.