بسرح لأهل المدينة فساقها منهم (١). فلما كان من العام الثاني قدم شريح إلى مكة ، ومعه تجارة عظيمة في حجاج ، وكانت العرب في الجاهلية يغير بعضهم على بعض ، فإذا كان أشهر الحرم ، أمن الناس كلهم بعضهم بعضا ، فمن أراد أن يسافر قلد بعيره من الشعر أو الوبر ؛ فيأمن بذلك الهدي حيثما ذهب ، فلما سمع أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم بحج شريح ، وقدومه إلى مكة ، أرادوا (٢) أن يغيروا على شريح ؛ فيأخذوا ما معه ، ويقتلوهم ؛ كما أغار شريح على سرح أهل المدينة قبل ذلك ؛ فاستأمروا رسول الله صلىاللهعليهوسلم [في ذلك](٣) ؛ فنزلت الآية فيهم : (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ ...) إلى آخره (٤) ؛ فلا ندري كيف كانت القصة؟ وليس بنا إلى معرفة القصة حاجة ، إلا القدر الذي ذكر الله في ذلك.
وقوله : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا) ، وقال تعالى في موضع آخر : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا) الآية [المائدة : ٨] ، وقال في آية أخرى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً) الآية [النساء : ١٣٥].
ذكر في بعضها الاعتداء ونهى عنه ، وهو المجاوزة عن الحد الذي حد لهم (٥). وذكر في بعضها العدل ، وأمر به ، ونهى عن الظلم والجور.
ثم الأسباب التي تحملهم وتبعثهم على (٦) الاعتداء والظلم ، وتمنع القيام بالشهادة والعدل ـ ثلاثة :
__________________
(١) في ب : معهم.
(٢) في الأصول : فأرادوا.
(٣) سقط من ب.
(٤) أخرجه ابن جرير الطبري (٩ / ٤٧٣) رقم (١٠٩٥٩) عن ابن جريج ، وأخرجه أيضا عن ابن جريج عن عكرمة ، وأخرجه برقم (١٠٩٥٨) عن السدي ، وعندهم جميعا : الحطم بن هند البكري. قال العلامة محمود شاكر في هامش تفسير الطبري : الحطم : لقب ، واسمه : شريح بن ضبيعة بن شرحبيل بن عمرو بن مرثد بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن بكر بن وائل. ينظر : جمهرة الأنساب : (٣٠١).
وهذا «الحطم» خرج في الردة ، في السنة الحادية عشرة ، فيمن تبعه من بكر بن وائل ومن تأشب إليه من غير المرتدين ممن لم يزل كافرا ، فخرج بهم حتى نزل «القطيف» و «هجر» ، واستغوى «الحظ» ، ومن فيها من الزط والسيابجة ، وحاصر المسلمين حصارا شديدا ؛ فتجمع المسلمون جميعا إلى العلاء بن الحضرمي ، وتجمع المشركون كلهم إلى الحطم ، ثم بيتهم المسلمون ، وقتلوا الحطم ومن معه في خبر طويل. ينظر : تاريخ الطبري (٣ : ٢٥٤ ـ ٢٦٠).
(٥) في أ : له.
(٦) في أ : عن.