الماء (١) ؛ فكان ذلك حجة على من منع الجنب من التيمم.
ثم قول الشافعي قول ثالث خارج عن قول الصحابة والسلف جميعا ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ لأنه يزعم أن اللمس هو الجماع وما دونه ، فذلك ابتداع في الآية قولا وتفسيرا (٢) ؛ خالف فيه ما روي في تفسيرها عن الصحابة جملة والسلف ؛ لذلك كان مخطئا مبتدعا ، وأصله أن الله ـ تعالى ـ ذكر الوضوء وأمر به في الآية ، وهو قوله ـ تعالى ـ : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ...) الآية : ولم يذكر الحدث ، وأمر بالاغتسال من الجنابة ، وهو قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ولم يذكر من أيّ جنابة؟ ثم ذكر الحدث في قوله : (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) ؛ فعلى ذلك قوله ـ تعالى ـ : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) كان بيانا (٣) لما تقدم من الأمر بالاغتسال من الجنابة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) ، قيل : اقصدوا صعيدا طيبا (٤) ، والصعيد : هو وجه الأرض.
وقوله : (طَيِّباً) قال بعضهم : الطيب : ما ينبت من الزرع وغيره.
وقال آخرون : الطيب ـ هاهنا ـ هو الطاهر (٥) ؛ روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، أينما أدركتني الصّلاة تيمّمت وصلّيت» (٦) : أخبر أن الأرض
__________________
(١) أخرجه البخاري (١ / ٦٠٧) كتاب التيمم (٣٤٨) ، ومسلم (٣ / ١٩٩ ـ ٢٠٠ شرح النووى) كتاب المساجد : باب قضاء الصلاة الفائتة ، (٣١٢ ـ ٦٨٢) عن عمران بن حصين الخزاعي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأي رجلا معتزلا لم يصلّ في القوم ؛ فقال : يا فلان ، ما منعك أن تصلي في القوم؟! فقال : يا رسول الله أصابتني الجنابة ولا ماء ؛ قال «عليك بالصعيد ؛ فإنه يكفيك» ، هذا لفظ البخاري.
(٢) مذهب الإمام الشافعي : واللمس يطلق على الجس باليد ؛ قال الله ـ تعالى ـ : (فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) [الأنعام : ٧] ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم لماعز ـ رضي الله عنه ـ : «لعلك قبلت أو لمست ...» الحديث. ونهي عن بيع الملامسة ، وفي الحديث الآخر : «واليد زناها اللمس» ، وفي حديث عائشة : «قلّ يوم إلا ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يطوف علينا ، فيقبل ويلمس». قال أهل اللغة : اللمس يكون باليد وبغيرها ، وقد يكون بالجماع ، قال ابن دريد : اللمس أصله باليد ؛ ليعرف مس الشيء ، وأنشد الشافعي وأصحابنا وأهل اللغة ـ في هذا ـ قول الشاعر :
لمست بكفي كفه طلب الغنى |
|
ولم أدر أن الجود من كفه يعدي |
والناظر في الأم للإمام الشافعي يجد أنه يفسر اللمس بما ذكره الإمام النووى. ينظر : الأم (١ / ٧٤).
(٣) في ب : تبيانا.
(٤) قاله سفيان ، أخرجه عنه الطبري (٨ / ٤٠٧) ، رقم (٩٦٤٣) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (٢ / ٢٩٨).
(٥) قاله الطبري. ينظر : تفسيره (٨ / ٤٠٩).
(٦) أخرجه البخاري (١ / ٤٣٥ ـ ٤٣٦) كتاب التيمم : باب (١) حديث (٣٣٥) ، ومسلم (١ / ٣٧٠ ـ