أمّا مثال احراز وجود الواجب بالأصل كما إذا كانت له حالة سابقة فيستصحب بقائه كما إذا كان زيد متوضئا قبل ساعة فشك في الزمن اللاحق في بقائه وزواله ، فيستصحب بقائه ويحكم بكونه متوضئا.
وامّا مثال احراز ترك الحرام بالأصل مثل ما إذا كان زيد تاركا لشرب الخمر إلى حين شرب المائع المشتبه وبعد شربه نشك في شربه الخمر فنستصحب بقاء تركه ، ولكن الفرد المشتبه وإن كان مقتضى اصالة البراءة جواز الاقتحام فيه لقبح العقاب بلا بيان ولأجل جريان رفع ما لا يعلمون والناس في سعة ما لا يعلمون.
فمقتضى اصالة البراءة جواز ارتكاب المصاديق المشتبهة إلّا ان مقتضى لزوم احراز الترك المنهي عنه وجوب التحرّز عن المصاديق المشتبهة كي يحرز ترك المنهي عنه ولا يحرز احرازا قطعيّا إلّا بترك المشتبه الذي تحتمل حرمته واقعا أيضا ، أي كما يترك المعلوم الحرمة فكذا يترك مشكوك الحرمة.
فالنتيجة : احراز ترك المنهي عنه لازم عقلا في المحرّمات إذ الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني والبراءة اليقينية وهما لا يتحقّقان إلّا باحراز ترك المنهي عنه وهو لا يحرز إلّا بترك المشتبه الحرمة ، فالعقل يحكم بلزوم الاحتراز عنه كما يحكم العقل بلزوم احراز اتيان المأمور به في الواجبات ، ولأجل هذا يكرّر المكلّف صلاة الظهرين ويفعلهما مكرّرين في الجهات الأربع عند اشتباه القبلة مع سعة الوقت ، وما هذا إلّا من جهة حكم العقل بالفراغ اليقيني والبراءة اليقينية وهما لا يتحقّقان إلّا باحراز إتيان المأمور به وهو لا يحرز إلّا بإتيان محتمل الواجب والمأمور به ، كما لا يخفى.
قوله : فتفطّن ...
وهو إشارة إلى أن تعلّق النهي بالطبيعة يوجب كون كل فرد فرد منها ذا حكم مستقلّ نحو العام الاستغراقي.