ـ فأما الجواب عن الأمر الأول ، فقد أوضحه النسائي نفسه ، وذلك أنه دخل دمشق وأهل الشام موقفهم من عليّ معروف ومشتهر ، فبادر بتصنيفه «الخصائص» رجاء أن يهديهم الله تعالى إلى الحق في المسألة وهو : تفضيل عليّ على معاوية رضي الله عنهما.
وأما الجواب عن الأمر الثاني : فجواب دقيق يحتاج إلى تأمل ، والذي يظهر لي أن النسائي ما قصد الغضّ من معاوية قط ـ إن شاء الله تعالى ـ ولكن جرى أهل العلم والفضل ـ كما قال الشيخ العلامة ذهبي العصر المعلّمي اليماني رحمهالله تعالى في التنكيل (١) ـ على أنهم إذا رأوا بعض الناس غلوا في بعض الأفاضل أنهم يطلقون فيهم بعض كلمات يؤخذ منها الغضّ من ذاك الفاضل ، لكي يكف الناس عن الغلو فيه الحامل على اتّباعه فيما ليس لهم أن يتبعوه فيه ؛ وذلك لأن أكثر الناس مغرمون بتقليد من يعظم في نفوسهم والغلو في ذلك حتى إذا قيل لهم : إنه غير معصوم عن الخطأ ، والدليل قائم على خلاف قوله عن كذا ، فدلّ على أنه أخطأ ولا يحل لكم أن تتبعوه على ما أخطأ فيه. قالوا : هو أعلم منك بالدليل ، وأنتم أولى بالخطإ منه ، فالظاهر أنه قد عرف ما يدفع دليلكم هذا (!) ولذا ترى بعض أهل العلم يغضّ من مكانة ذلك الفاضل لردع هؤلاء السائمة (!).
__________________
(١) (١ / ١٢).