تنسحب خطيئة الإنسان الأوّل على كلّ النّاس ، ولكن هذه الخطيئة ـ في القرآن ـ لا ترتدي هذه الصّفة الدّنيوية ، الّتي تخصها بها الدّيانة المسيحية. فإنّ آدم لم يناقد للخطيئة لخبث في طبيعته ، أو سوء في إرادته. وليس يكفي أيضا أن يقال : إنّه إنقاد لإغراء قوي ، بل يجب أن نضيف ـ تبعا للقرآن ـ أنّ هذا الإغراء لم يكن في جوهره ذا طابع مادي ، فإنّ جدّنا الأوّل قد خدعته كلمات عدو أقسم له ، تأكيدا لكلامه (١). وزعم أنّه ينصحه ، فإعتقد بسذاجته أنّه حين يأكلّ الفاكهة المحرمة فربما يصبح نقيا كنقاء الملائكة ، خالدا كخلود الإله : (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (٢) ، (وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) (٣) ، ويا لها من غلطة نبيلة!! .. فمن ذا يطيق ألا
__________________
(١) مما يجدر ذكره أنّ عقيدتنا بالنبيّ ، والإمام عليهماالسلام أن يكونا معصومين بمعنى : أنّ النّبيّ منزه عن كبائر الذنوب وصغائرها ، وعن الخطأ ، والنّسيان ، بل عما ينافي المروءة ، وعن كلّ عمل يستهجن عرفا.
ولو انتفت العصمة عنهما ـ والعياذ بالله ـ : لاحتملنا الخطأ ، والنّسيان ، وحينئذ لا تكون أقواله ، ولا أفعاله حجّة علينا ، ولا نكون ملزمين باتباعها ، وفي ذلك انتقاض الغرض. وقد أجمع الإمامية على القول بالعصمة ، وتنزيه الأنبياء عليهمالسلام ، من الخطأ ، والنّسيان ، وما يتوهم خلاف ذلك من بعض الأخبار فهي مؤلة ، فمثلا إنّ آدم وحواء عليهماالسلام لم يشاهدا من قبل ذلك من يحلف لهما بالله كاذبا هذا أوّلا.
وثانيا : كان ذلك من قبل آدم عليهالسلام قبل النّبوة ، ولم يكن ذلك بذنب كبير ، وأنّما من الصّغائر الموهوبة ـ لعل الإمام الرّضا عليهالسلام أراد «بالصغائر الموهوبة» : ترك المندوب ـ الّتي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي ، فلما أجتباه الله تعالى ، وجعله نبيا كان معصوما لا بذنب صغيرة ، ولا كبيرة. (بتصرف). انظر ، كتاب الإحتجاج : ٢ / ٢١٦ ، عيون أخبار الرّضا : ٢ / ١٧٦ ، تفسير الميزان : ١ / ١٤٥ ، بحار الأنوار : ١١ / ٧٨ ، مسند الإمام الرّضا : ٢ / ١٢٥ ، التّفسير الصّافي : ١ / ١٢٢ ، تفسير نور الثّقلين : ٢ / ١١ ، تفسير كنز الدّقائق : ٢ / ٦٤ ، قصص الأنبياء للجزائري : ١٧ ، حياة الإمام الرّضا للقرشي : ١ / ١٥٧.
(٢) الأعراف : ٢١.
(٣) الأعراف : ٢٠.