يبالي بمثل هذا إذا كان ملتزما بأوامر الضّمير؟ .. ولكنه الوهم الكاذب الّذي زينه لعينيه ذلك النّاصح المنافق. وعلى الرّغم من أنّه كان منذ البداية محصنا ضد المكائد المحتملة من عدوه ، فقد نسي (١) الإنسان الأوّل ، وجاءت اللحظة الّتي لم يجد لنفسه فيها إرادة صامدة : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) (٢).
ومع ذلك فهذا النّسيان لا يعتبر بالنسبة إليه عذرا مقبولا ، كما أنّ النّيّة الطّيبة لا تشفع له كذلك ، لأنّ النّسيان لم يكن للأمر في ذاته ، بل للهدف منه. وأيا ما كانت الدّوافع النّبيلة وراء المخالفة ، فإنّها لا يمكن أن تعرينا من إلتزام مطلق واضح المعالم ، والحدود. وفي هذا النّوع من الأمر الحتمي تظهر بوضوح متانة الصّرامة «الكانتية» ، الّتي لا تسمح بأي إستثناء يرد على القاعدة الأخلاقية.
فخطيئة آدم كانت إذن أثرا من آثار ضعف عارض ، وجهد قاصر في مراعاة الواجب. ومن هنا لم تفسد فطرة الإنسان الأوّل ، بحيث تستلزم تدخّل «مخلّص» غيره نفسه ، إذ كان يكفيه أن يعترف بخطيئته ، ويظهر ندمه ، لا ليغسل دنسه ، وتعود إليه سريرته النّقية ، كما كانت فحسب ، ولكن ليربى هذا التّائب الجديد ،
__________________
(١) المقصود بالنسيان هنا : التّرك لما أمر به لا سيما بعد أن قاسمهما الشّيطان ؛ لأنّ النّسيان غير مجوز على الأنبياء ، بالإضافة إلى أنّ النّهي الوارد في الآية هو نهي إرشادي ، وليس بتحريمي. (بتصرف) انظر ، الكافي : ١ / ٤١٦ و : ٢ / ٨ ، كمال الدّين وتمام النّعمة : ٢١٣ ، شرح اصول الكافي : ٧ / ٦٣ و : ١٢ / ٥٧ ، التّبيان للشيخ الطّوسي : ٧ / ٢١٣ ، تفسير مجمع البيان : ٧ / ٦٠ ، التّفسير الصّافي : ٣ / ٣٢٤ ، تفسير الميزان : ١٤ / ٢١٩.
(٢) طه : ١١٥.