ويرفع إلى درجة المصطفين الأخيار ، (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) (١).
والفطرة الإنسانية ليست على خلاف ذلك ، بصفة عامة ، حتّى إنّ القرآن يصفها فيقول : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (٢).
وإنّ القرآن ليصور لنا أخذ البريء بالمذنب ، لا على أنّه مضاد للشريعة فحسب ، بل هو كذلك غير متوافق مع الفكرة الأساسية للعدالة الإنسانية : (قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ) (٣). ومع ذلك فإنّ في الكتاب حالتين يبدو أنّهما قد خرجتا على مبدأ المسئولية الفردية ، فقد قيل ـ من جانب ـ عن بعض المذنبين : إنّهم : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) (٤).
وقيل من جانب آخر : إنّ ذريّات المؤمنين سوف يعاملون كما يعامل أجدادهم ، بشرط أن يكونوا مؤمنين ، وذلك قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) (٥). وإذن فلن يكون الثّواب والعقاب تبعا للجهد الفردي فحسب ، بل قد ينشأ كذلك من عمل الآخرين. ولا شك أنّ هذين المثالين جديران في نظرنا بالدراسة ، حتّى نرى إلى أي مدى يمكن أن يضعفا أو يدعما المبدأ العام.
وأوّل ما نبدأ به أن نزيح فكرة معينة ، هى أنّه ليست المسألة هنا مسألة تحويل
__________________
(١) طه : ١٢٢.
(٢) التّين : ٤ ـ ٦.
(٣) يوسف : ٧٩.
(٤) العنكبوت : ١٣.
(٥) الطّور : ٢١.